بعد فشل محاولة الخميس الماضي، سيعود مجلس الوزراء مرة ثانية لدرس مشروع قانون إصلاح المصارف وإعادة تنظيمها، وسط حملة منظّمة شرسة تشنّها جمعية المصارف بالتعاون مع وزراء ونواب لاجهاض إقرار المشروع بالصيغة التي أعدّتها لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان.
هذه «المعركة» ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة معارك إجهاض الخطط الإصلاحية مالياً ومصرفياً منذ 2020. وتؤكّد مصادر مالية دولية معنية بلبنان أنّ «الصندوق لم يعد يتوقع من اللبنانيين إلا المزيد من الخلافات المؤدية حتماً الى تأخير الإصلاحات المطلوبة.
وتوقعت المصادر استمرار المعارك سنتين إضافيتين على الأقل قبل اتضاح الصورة، ولا سيما بتّ مصير الودائع ومعضلة ردّها جزئياً أو كلياً. وذكرت المصادر 10 أسباب وجيهة تدفعها الى هذا الاعتقاد:
أولاً- فقدت الحكومة زخم خوض غمار الاشكاليات العويصة، لأنّها حكومة تصريف أعمال وتتعرض لنيران كثيرة صديقة وغير صديقة. ورئيسها ليس حاسماً، بل يحاول إمساك العصا من وسطها عندما يتعلق الأمر بالمصارف.
ثانياً- يتقدم الشأنان السياسي والأمني حالياً على ما عداهما، خصوصاً الفراغ الرئاسي ومصير قيادة الجيش والأوضاع الأمنية جنوباً.
ثالثاً- لا توافق على جلسات تشريعية خاصة بدرس وإقرار مشاريع قوانين ذات صلة بالإصلاح الاقتصادي والمالي والمصرفي.
رابعاً- صار واضحاً أنّ هناك من يدفع الى مفاوضات جديدة مع صندوق النقد لتحسين الشروط بحثاً عن مرونة ما لردّ الودائع، وللإفلات من المساءلة والمحاسبة. ولا إمكانية لذلك، إذا كانت هناك امكانية، إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وتعيين حاكم جديد للبنك المركزي… ثم تقديم طلب لإعادة التفاوض مع الصندوق.
خامساً- لإقناع الصندوق، يتطلّب الأمر خطة إعجازية مقنعة، والتزاماً بيّناً لا لبس فيه بالشروط الاصلاحية، وهذا ليس سهلاً، بل صعب جداً، لأنّ المنظومة نفسها التي ستفاوض كانت أخلّت وبشكل سافر بالتزاماتها عدة مرات سابقة.
سادساً- إذا حصل اتفاق جديد، وهذا مستبعد وفقاً للمعطيات القائمة، سيعاد النظر في كل التشريعات، وأبرزها «الكابيتال كونترول» وإعادة الانتظام الى النظام المالي (توزيع الخسائر وردّ الودائع) وهيكلة المصارف وتعديل السرية المصرفية.
سابعاً- بتّ مصير كل القضايا العالقة أمام القضاء والمتصلة بالودائع ومسؤولية المصارف والحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة.
ثامناً- فتح نقاش وطني عام ليخرج الجميع من حالة الإنكار، والاعتراف بأنّ خسائر وقعت بعشرات المليارات، وأنّ ردّ الودائع لن يكون بالضرورة كاملاً، إذ لا قدرة للدولة والمصارف على تحمّل نحو 75 مليار دولار (400% من الناتج) إلا إذا كانت الوعود كاذبة والآجال ممتدة لأجيال قادمة. ولا ننسى، في الأثناء، معارك الودائع المؤهلة/ غير المؤهلة، والمشروعة/ غير المشروعة واسترداد الأموال المحوّلة والمنهوبة.
تاسعاً- لا امكانية لنجاح أي خطة إلا بعد ضمان التدفّقات الدولارية سواء من صندوق النقد أو الدول المقرضة والمانحة، على أن يسهم ذلك في فوائض متتالية ومستدامة في ميزان المدفوعات وتحقيق نمو صلب مبني على نموذج اقتصادي جديد كلياً.
عاشراً- إذا سارت الأمور كما يجب، ستعطى المصارف القابلة للاستمرار فترة سماح لتسوية أوضاعها والرسملة لتستطيع الوفاء بالالتزامات التي ستقع على عاتقها. كما ستحتاج الحكومة الى تدابير استثنائية للمديين القصير والمتوسط لإقرار ما على الدولة التزامه إزاء المودعين باستخدام أصول الدولة وايراداتها… وهذه هي أم المعارك!