لا يمكن استباق أي ترتيب للجبهة الجنوبية قبل اتضاح الأفق السياسي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسكوت أصوات المدافع وهدير المقاتلات الحربية التي تحلِّق فوق القطاع والجنوب مخلّفةً الدمار والمجازر. لكن الوقت المستقطع الفاصل عن موعد جلوس أطراف الحرب ورعاتهم على طاولة التسويات في المنطقة، قد شكّل محطةً لانطلاق دينامية ديبلوماسية مركزها بيروت، وهدفها “حزب الله” والقرار الدولي 1701 الذي سيحكم قواعد العلاقات ما بين لبنان من جهة، وإسرائيل من جهةٍ أخرى، إلاّ إذا أتمّت الجهود الأميركية عملية تثبيت الحدود البرّية، التي يقودها وسيط الترسيم البحري آموس هوكشتاين.
وقبل تحوّل الساحة الجنوبية إلى ساحة قتال مفتوحة ومستباحة، وليس فقط ساحة إسناد ومشاغلة، تنشط الديبلوماسية الأميركية على وجه الخصوص، ولو من خلال وسطاء كالموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي زار بيروت منذ أيام لتحديد معادلة جديدة في الميدان الجنوبي، قوامها القرار 1701 ولو عبر صيغة تتلاءم مع واقع الأرض.
وقد كان لافتاً أن تُعلن حركة “حماس” بالأمس عن تأسيس طلائع “طوفان الأقصى” ودعت الشباب الفلسطيني إلى الإلتحاق بها، ولم يكن قد مرّ أكثر من أسبوعين على استهداف إسرائيل مجموعةً تضم أتراكاً وفلسطينيين نفّذت عمليات على جبهة الجنوب، حيث استغربت أوساط ديبلوماسية مواكبة، أن تتواصل هذه العمليات في مرحلة البحث في تطبيق القرار 1701، فيما يتريّث المعنيون في اتخاذ الإجراءات الرادعة لأن يتواجد مسلحون أو أسلحة في منطقة القرار 1701.
لذلك، فالمطلوب، وبحسب الأوساط الديبلوماسية، ولكي يتواصل الوجود الدولي من خلال قوات “اليونيفيل”، الشاهد الدولي على اعتداءات وخروقات إسرائيل، أن يقوم الجيش اللبناني، وبناءً على قرار من الحكومة، بمنع دخول “الغرباء” إلى الجنوب، فالجنوبيون مقاومون ويمتلكون شرعية المقاومة والدفاع عن الأرض، إنما تواجد وانتشار غير اللبنانيين جنوب الليطاني، يستحضر مراحل أمنية سابقة ويُدخل الجنوب، وربما لبنان كله، في مدار الفوضى والإستهداف الإسرائيلي.
وتنقل الأوساط الديبلوماسية، معلومات حول رسائل أميركية وأوروبية، تصل إلى بيروت في الآونة الأخيرة وتدعو إلى تطبيق الـ1701 من دون الإشارة إلى أي بحث في المهام المدرجة فيه والتي لن تُنفّذ منذ البداية، لجهة التعاون المشترك بين قوات الطوارىء الدولية والجيش في بسط سيادته على منطقة العمليات الواقعة في جنوب الليطاني.
فالقرار 1701، الذي سبق وأعلن الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، أنه ما زال قائماً في الجنوب، هو بمثابة المظلّة الدولية التي لا تزال تحول دون حصول أي تطورعسكري دراماتيكي، في ضوء ما تتحدث عنه الأوساط الديبلوماسية، من خطرٍ إسرائيلي داهم على لبنان، وإن كانت قواعد الإشتباك ما زالت صامدة رغم ارتفاع وتيرة المواجهات وخصوصاً بعد انهيار الهدنة الإنسانية في غزة.