“الودائع هي ديون لدى الدولة وليست خسائر..” حقيقة يمكن استخلاصها من مواقف سجّلها رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور سليم صفير في حديث صحافي أمس، والتي لم تكشف سراً باتت غالبية اللبنانيين على يقين به، بل جاءت لتُحيي ذاكرة البعض الذي، عمداً أم عن غير قصد، أغفل محطات مالية مهمة لا تزال الدولة تتلطى خلف إلقاء المسؤولية على المصارف، هرباً من تلك الحقائق الموثقة.
ومن أبرز تلك الحقائق أن لدى المصارف إيداعات لدى المصرف المركزي بحوالي 84 مليار دولار، جزء كبير منها في الحسابات الجارية. كما أن لدى المصارف سندات “يوروبوند” صادرة عن الدولة اللبنانية بحوالي 10 مليارات دولار.
ويقابل هذه الموجودات المالية ودائع للزبائن بحوالي 90 مليار دولار أميركي، “أي أن الودائع مؤمَنة بالكامل إذا قامت الدولة اللبنانية بتنفيذ موجبها القانوني بتغطية العجز في المصرف المركزي وفق القوانين المرعية الإجراء، لا سيما المادة 113 من قانون النقد والتسليف” بحسب صفير. وعليه، “إن معالجة هذه المطلوبات تقع على عاتق الدولة اللبنانية التي أدت بممارساتها وعجوزاتها المالية المتراكمة الى خلق عجز كبير في ميزانية مصرف لبنان… من هنا فالأساس هو القانون المتعلق بالانتظام المالي الذي يفترض أن يوزّع المسؤوليات بطريقة عادلة بدءاً بالذي بذّر أموال المودِعين أي الدولة اللبنانية”.
مصدر مالي لـ”المركزية” يختم على تلك المعطيات ويؤكد أنها “أصبحت معروفة لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين ومن أهم المؤسسات العالمية المرموقة كجامعة “هارفرد” على سبيل المثال لا الحصر، التي أصدرت دراسة الأسبوع الفائت وأكدت فيه المؤكد، مع الإشارة إلى أن هذه الدراسة شارك فيها اقتصاديون عالميون معروفون ومشهود لهم بكفاءتهم ومعرفتهم كما باستقلاليّتهم. وهؤلاء يُقرّون بأن الخسائر الموجودة في مصرف لبنان والمقدّرة بـ76 مليار دولار، يجب أن تتحوّل فوراً إلى ديون على الدولة وتُضاف إلى ديون سندات الـ”يوروبوند” ليصبح مجموع ديون الدولة 107 مليار دولار، وبالتالي بدل أن تفاوض الدولة على إعادة هيكلة دين الـ”يوروبوند” تكون تفاوض على إعادة هيكلة كل هذا الدين”.
ويُضيف: من هنا إن الـ”هيركات” الذي سيُفرض على الـ”يوروبوند” سيطاول كامل الدين الذي يشمل الودائع، ويتم الدفع وفق هذه المعادلة، أي من %10 إلى %20 من قيمة هذه الديون، وفق التقديرات الحالية. وبذلك تكون الديون في ذمّة الدولة ولا علاقة لمصرف لبنان ولا المصارف بها.
ويغمز المصدر من قناة القطاع المالي الذي لا يقبل بهذه المعادلة كونه لن يرضى بأن تكون نسبة الـ”هيركات” كبيرة على الودائع.
ولم يغفل الإشارة إلى أن الدراسة المُشار إليها، “أخذت في الاعتبار ما يسمّى بـ”صغار المودِعين” إذ أكدت ضرورة دفع أموالهم بالكامل من دون “هيركات”، مشددة على أن هناك حداً أدنى يجب تأمينه للمودِعين كافة”.
ويرى المصدر أنه “حتى تقرير التدقيق الجنائي الذي كانت تأمل الدولة في أن تكشف من خلاله أين ذهبت الودائع، لم يكشف سوى الحقيقة ذاتها. إذ أورد هذا التقرير أنه كانت هناك عملية تمويل للموازنات من مصرف لبنان بالاتفاق بين الأخير والدولة اللبنانية، وكانت تَصدر أرقام بأرباح وهميّة للدولة لتجنّب الاعتراف بتراكم خسائرها، لأنه بحسب “قانون النقد والتسليف” الدولة ملزَمة بتغطية هذه الخسائر الموجودة في مصرف لبنان”.
إذاً، مهما تعدّدت الدراسات والتقارير وأجمعت على مسلَّمة واحدة وهي أن الدولة هي المسؤولة الأولى عن خسارة أموال المودِعين… تبقى حبراً على ورق إن لم تقرّ الدولة نفسها بمسؤوليّتها هذه وتبادر إلى اجتراح الحلول.. وما أكثرها إن أرادت.