بعد تدمير غالبية الجزء الشمالي من قطاع غزة من دون تحقيق أيّ إنجاز عسكري، بدأت الأمور تصبح أكثر صعوبة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبات يريد التقدّم ولو خطوات قليلة يحقق فيها عملاً عسكرياً نوعياً إن بتحرير عدد من الرهائن خارج إطار صفقة التبادل كي لا يُنعت بالخاسر أمام حركة حماس، كما بدا بنظر شعبه والعالم، إثر الاتفاق على صفقة التبادل وإدخال المساعدات الإغاثية إلى غزة أو من خلال اصطياد يحيى السّنوار العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى.
نتنياهو يعرف تماماً أنه قد انتهى سياسياً وأن مصيره سيكون كسلفه إيهود أولمرت، وفي أحسن الأحوال سيشكّل مع حزبه أقلية موصوفة في أيّ انتخابات تشريعية تلي الحرب على غزة، يخرج بعدها إلى أسوأ الصفحات في تاريخ إسرائيل، لذا غير تكتيكاته العسكرية في المرحلة الراهنة وبات رأس السّنوار الهدف وخشبة الخلاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي. وانطلاقاً من التحقيقات مع الأسرى التابعين لحماس استنتجت الاستخبارات الإسرائيلية أن السنوار وكوادر حركته موجودون في خان يونس جنوبي غزة، فأطلق جيشه يوم الأحد عملية برية في خان يونس وتحركت مدافع دباباته بكامل قوتها التدميرية عقب انتهاء الهدنة من دون تجديد وسحب فريقه المفاوض من قطر، مرتكباً المجازر تلو الأخرى على مرأى ومسمع من العالم وزعمائه الذين تقاطروا إلى تل أبيب صبيحة طوفان الأقصى.
نتنياهو ليس وحيداً في المعركة ضد السّنوار، فالولايات المتحدة سلمته شيكاً على بياض للتخلص منه واقتلاع حماس برمتها من القطاع، وإن بدت محرجة من حجم الخسائر البشرية الضخمة في صفوف الفلسطينيين العزل من أطفال ونساء ومسنين أبرياء، على ما جاء على لسان نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، من دون أنّ نغفل طبعاً بريطانيا التي حركت طائراتها الاستطلاعية فوق الساحل الفلسطيني والإسرائيلي وفي أجواء إسرائيل تحت عنوان المساعدة في العثور على الرهائن لتحريرهم مؤكدة أن دور هذه الطائرات يقتصر على نقل العلومات إلى الجيش الإسرائيلي، تماماً كما فعلت قوة أميركية خاصة منذ الأيام الأولى للحرب من دون تحقيق أي إنجاز يذكر.
المعلومات الاستخبارية التي انتزعتها إسرائيل من مئات المسلحين والمقاتلين الذين أوقفتهم في خلال توغلها في شمال غزة، عززت قناعتها بوجود السّنوار في خان يونس، وستسمح تلك المعلومات للجيش الإسرائيلي، بالعثور على قادة حماس وتصفيتهم، على ما يعتقد مسؤولون سياسيون وعسكريون إسرائيليون. ويقول خبراء استراتيجيون: سيكون هناك تركيز مكثّف على استخدام هذه المعلومات لاستهداف قادة حماس، فيما يرى العديد من المنتقدين أن هذه الاستراتيجية لن تقلل التكلفة البشرية المرتفعة التي لحقت بالمدنيين الفلسطينيين من جراء الغارات والقصف الإسرائيلي على غزة، شمالاً وجنوباً وفي الوسط.
وفي السياق، يقول خبير في الأمن الدولي إن الجيش الإسرائيلي تَعَلَّم الدروس منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وبات هدف الحرب اليوم يقترب أكثر فأكثر من قادة حماس سعياً للتوصل إلى اتفاق أفضل فيما يتعلق بالإفراج عن الأسرى، ورجّح احتمالية إدخال أي معلومات تحصل عليها إسرائيل حول مكان وجود قيادات حماس، ضمن نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي ويسمى هبسورا، لتحديد الأهداف بوتيرة أسرع وأدق، لكن العديد من الخبراء شككوا بقدرة هذا النظام على تقليل الأضرار والخسائر في صفوف المدنيين، استناداً إلى ما حصل شمال القطاع على مدى الشهريين الماضيين.
وعلى مدى الأيام المقبلة، من المرتقب أن يتركز الهجوم الجنوبي على خان يونس، مسقط رأس السنوار ومحمد الضيف، وتبعاً لخبراء عسكريين فإن التركيز سيكون أيضاً على رفح في أقصى جنوب القطاع، على الحدود مع مصر، لأن المعبر الحدودي بين غزة ومصر وأنفاق التهريب تحت الأرض تشكّل قناة الأكسجين الرئيسية لإعادة بناء قدرات حماس العسكرية، ويعتبر مسؤول إسرائيلي أن رفح تمثل أصل تحول حماس إلى وحش بحسب تعبيره، ويجب النظر في حدود غزة مع مصر بأكملها.
إذاً، خان يونس هي البوصلة للجيش الإسرائيلي في الفترة الراهنة والأيام المقبلة، فهل تكون المعلومات التي حصلت عليها تل أبيب صائبة أم مضللة؟ وحده الميدان سيثبت ذلك.
جاكلين بولس -ليبانون فابلز