في هذه الأيام التي يمكن أن تشكل مفترقاً في المسار التاريخي والاستراتيجي للمنطقة، تطرح جهات صديقة بعض الأسئلة الصادمة “كيلا تنزلقوا الى نوع من التفاؤل الخادع والقاتل. من هذه الأسئلة “ماذا لو انتصر بنيامين نتنياهو بتدمير الهيكلية العسكرية للفصائل (وهو لن ينتصر لو بقي طفل فلسطيني واحد على قيد الحياة”؟ و “لمصلحة مَن أن تتدحرج الأمور الى حرب كبرى، لا يستطيع أحد التكهن بتداعياتها الأبوكاليبتية على الدول المعنية”؟
“حين يوضع النمر داخل زنزانة”… هذا هو وضع غزة الآن. الى أي مدى يستطيع المقاتلون الفلسطينيون أن يواجهوا تلك الجحافل الهمجية، اذا كانوا محاصرين من الجهات الأربع، وحتى من السماء ؟ حتى إن بوابة رفح، وهي البوابة الشقيقة مقفلة أمامهم، لا بل أن كل أبواب، وترسانات الأشقاء، مقفلة أمامهم.
مَن يمكنه أن يدخل في حرب كبرى؟ ايران تدرك أي وضع اقليمي، وأي وضع دولي الآن، كما أنها تدرك كيف أن زعيم الليكود يراهن على استدراج الولايات المتحدة بالأرمادا العسكرية، التي تنتشر بين البحر المتوسط والبحر الأحمر الى الميدان.
لن نرى أي محاولة للانزال البحري أو الجوي. الأميركيون ـ اذا سقطوا في “الفخ الاسرائيلي” ـ سيعتمدون الضربات الجوية والصاروخية من القواعد المنتشرة في المنطقة، أو حتى من القواعد البعيدة. نتنياهو يريد ذلك التدخل الذي يغيّر وجه المنطقة، ولو استدعى ذلك اللجوء الى الخيار النووي.
معلقون أميركيون يرون أن ادارة جو بايدن في وضع دقيق جدا بتأثير اللوبي اليهودي. دنيس روس يكاد يتهم البيت الأبيض بـترك الدولة العبرية وحيدة في “تلك الغابة من الوحوش”، بالرغم من وصول الطائرة الأميركية رقم 200 الى احدى القواعد العسكرية “الاسرائيلية” يوم أمس، وهي محملة بالأعتدة وبالأسلحة.
اللوبي، وعلى غرار وزير التراث عميحاي الياهو، يعتقد أنه لولا “اسرائيل” لما كان هناك موطئ قدم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. استطراداً، ينبغي مساعدتها على دحر من يسعون لازالتها من الوجود، حتى ولو اقتضى ذلك استخدام الوسائل غير التقليدية لاحتواء، والا أفلتت المنطقة من القبضة الأميركية.
الجهات الصديقة، وهي قليلة، تعتبر أن “ما من دولة ستقف الى جانبكم، “حتى الصين بالاقتصاد الأسطوري، خافت أن تبعث ولو بأكياس الطحين الى أهل غزة. رجب طيب اردوغان يكتفي بالصراخ عن بُعد، دون أي خطوة عملانية، وهو العضو في حلف الأطلسي، والذي يستضيف في قاعدة انجرليك 50 قنبلة نووية أميركية.
لا نتصور أن اللوبي اليهودي سيتمكن من الضغط على جو بايدن للانخراط في الحرب، وان كان واضحاً لأركان الادارة، أن هذا هو الرهان الوحيد الذي في يد نتنياهو ليبقى طافياً في ذلك المستنقع السياسي. توجيه النيران الى الجيش اللبناني وسقوط أحد الجنود، لا يمكن النظر اليه الا كحلقة من محاولات توسيع دائرة الصراع تمهيداً للتدخل الأميركي.
السيد حسن نصرالله قال ان ساعة الحرب الكبرى لم تدق بعد. لبنان في حالة من التصدع السياسي والطائفي الذي يهدد وجوده. سوريا في أسوأ ظروفها، حتى أنها فقدت دورها كمدى حيوي (جيوستراتيجي) للمقاومة اللبنانية. الحليف الروسي في قاعدة حميميم لكأنه “شاهد ما شافش حاجة”. العراق قابل في أي لحظة للتفجير الداخلي. ثمة من نبّه اليمنيين الى فرض الحصار على ميناء الحديدة، بل والى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
ولكن ألا يشارك الأميركيون في الحرب بشكل أو بآخر؟ الامدادات العسكرية تتواصل، كذلك التغطية غير المباشرة أو المباشرة ان لحصار غزة أو لسياسات القتل اليومي التي تنفذ في الضفة الغربية، دون أن يتذكروا أن ياسر عرفات واسحق رابين وقّعا اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض وبرعاية أميركية.
لعل من أكثر وجوه المشهد مأسوية، اشارة معلقين “اسرائيليين” الى وقوف دول عربية الى جانبهم، بعدما كان برنارد لويس قد لاحظ أن “زمن العرب زمن الرمال”. هكذا تذروهم الرياح. هكذا تذروهم النيران…
نبيه البرجي -الديار