اعتباراً من مطلع العام المقبل 2024، لا سحوبات للدولارات المحتجزة لدى المصارف على السعر الرسمي 15 ألفاً، بل ربّما لا سحوبات للودائع من أصله. إذ تفيد معلومات مصدرها المجلس المركزي لمصرف لبنان بأنّ المجلس يرفض حتى اللحظة تمديد العمل بالتعميم 151، الذي يجيز للمصارف دفع الودائع المحتجزة بالعملة اللبنانية.
من خلال تلك الخطوة، يبدو أنّ المجلس المركزي في مصرف لبنان يرفض تحمّل وزر الـHaircut المفروض بموجب هذا التعميم المبتكر أيام الحاكم السابق رياض سلامة، على الودائع بالدولار، والذي يقترب من نحو 83%.
كما يحاول مصرف لبنان من خلال ذلك أيضاً الضغط على السلطة السياسية من أجل تمرير قانون “الكابيتال كونترول” الذي يُفترض به أن يرسم “خارطة طريق”، لسنتين مقبلتين أو ربّما أكثر بقليل، حول كيفية دفع الودائع لدى المصارف بمختلف أنواعها، إن كانت بالدولار أو بالليرة اللبنانية، أو حتى تلك التي حُوّلت إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019 (هكذا يُفترض).
وعليه، فإنّ إلغاء أو إبطال العمل بهذا التعميم يعني أنّ المودعين لن يتمكّنوا من سحب أموالهم من المصارف (الليرة اللبنانية بحسب ما ينصّ التعميم)، لأنّه لا سند قانونياً يجيز للمصارف فعل ذلك. أضف إلى ذلك أنّ المصارف ستقع في حيرة لناحية أيّ سعر صرف ستعتمد في حال أرادت الاجتهاد من ذاتها، ودفع الودائع للراغبين بالحصول عليها بخلاف عملة الدولار الأميركي.
عندها، ستكون المصارف مضطرّة إلى اللجوء إلى خيار من ثلاثة:
1- دفع الودائع بالدولار “الفريش”، وهذا أمر غير ممكن، لأنّه سيجعل من كلّ الحسابات المصرفية بحكم الخاضعة للتعميم 158، وهذا ما ترفضه المصارف أصلاً بسبب عدم قدرتها على دفع هذا الكمّ من الودائع بالدولار الأميركي.
2- دفع الودائع بالليرة اللبنانية، وبالتراضي، بين المصرف والعميل على سعر السوق أو سعر منصة “صيرفة”، أو ربّما على سعر منصة “بلومبرغ” بعد إطلاقها (يقال إنّ إطلاقها في شهر شباط)، وهذا بدوره سيخلق أزمة لدى المصارف التي تعاني أصلاً من شحّ بالليرات اللبنانية نتيجة سياسة مصرف لبنان الصارمة في ضبط الكتلة النقدية بالليرة.
3- الامتناع عن دفع الودائع نهائياً إلى حين صدور قانون “الكابيتال كونترول”.
بحسب المصادر نفسها، فإنّ الحلّ الوسط ربّما يكون مزيجاً بين الأمرين. أي أن يقوم المجلس المركزي في مصرف لبنان بتمديد العمل بالتعميم المذكور، فيجيز دفع الودائع بالليرة اللبنانية، لكن بشرط إقرار قانون “الكابيتال كونترول” داخل البرلمان.
بذلك يكون مصرف لبنان قد أعفى نفسه من مهمّة تحديد سعر الصرف الخاص بدفع الودائع بموجب التعميم 151، وكذلك ألقى بتلك المسؤولية على السلطة السياسية التي هي في الأصل مسؤوليتها الفعليّة. فهي الجهة التي أصرّت على تجميد سعر الصرف عند 1,500 ليرة لبنانية على مدى 30 عاماً على الرغم من كلّ فرص الازدهار والمطبّات التي مرّت بها البلاد، وهي أيضاً التي تتأخّر اليوم في توحيد سعر الصرف.
من المؤكّد أنّ هذه الخطوة لن تلقى استحسان المصارف، وستعتبرها في الوقت نفسه ضربة إضافية تُوجّه لها فوق الضربة التي ستتلقّاها من قانون الموازنة الذي سيرفع سعر الصرف الرسمي إلى سعر منصة “صيرفة”، وستكون مضطرّة إلى رسم ميزانيّاتها بموجب هذا الرقم أيضاً.
عماد الشدياق – اساس ميديا