لبنان “الحرب والعيد”… زنار نار وأقواس نور

كتبت” الراي الكويتية”:
 
 
لبنان اليوم كأنه لبنانان والحياةُ فيه أشبه بحياتيْن، وطقوسُه أقرب ما تكون إلى «صيفٍ وشتاءٍ تحت سقف واحد»… ربما هي واحدةٌ من عجائب بلاد «المفارقات الصعبة» التي تختزنها الحكايةُ – الأسطورة عن طائر الفينيق الذي لم يملّ الرمادَ وغبارَه.


 
خليطُ أضدادٍ كالخبز اليومي في حياة اللبناني الذي لم تكسره مأساةٌ ولم تَرْدعه حربٌ ولا تُسْقِطُهُ أزمات… حزنٌ وفرحٌ، نزوحٌ وسَهَرٌ، عتمةٌ وأضواء، مآسٍ واحتفالات، موتٌ وحياة.
 
أضداد كأنها وجْهان لقَدَرٍ يَسْتَلْهِمُ منه اللبناني قُدْرَتَه على البقاء.
 
في جنوب البلاد حربٌ وموتٌ ونزوحٌ وأوجاع، وعلى امتداد «طولها وعرْضها» أجواءُ أعيادٍ وزينةٌ وأضواء لم تطفئها تهديداتٌ بـ «مكبّرات الصوت» بتحويل بيروت غزة، وتلويحٌ بـ «العصر الحَجَري» وبدمارٍ ما بعده دمار وبأن الآتي أعْظم.


 
فمع تَصاعُد وتيرة المواجهات في جنوب لبنان واتساع رقعتها إلى أبعد من القرى الحدودية واشتدادِ درجات العنف فيها وارتفاع أعداد النازحين وصولاً إلى ما يناهز 70000، وكذلك عدّاد الضحايا الأبرياء الذين يسقطون دون تمييز بين مدني وعسكري أو إعلامي، يبقى الجنوبُ قُبْلة العدسات التي وجدتْ نفسَها منذ حلول ديسمبر «مقسومةً» بين زنار النار الذي يلفّ الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية وبين «قوس النور» الذي شقّ طريقه إلى مناطق عدة تعيش أجواء أعياد الميلاد ورأس السنة وكأنها إعلان «لن ننكّس الأفراح».
أنطوني ابو أنطون، المسؤول عن إحدى الشركات التي تعنى بالترفيه هو الذي أصرّ على الإتيان بهذا العرض الى بيروت رغم الظروف. ويقول لـ «الراي»: «فكّرنا قبل بضعة أشهر أننا منذ أربع سنوات نمرّ بظروفٍ صعبة ولم نحتفل بأعياد آخِر السنة كما يجب، ولذا قرّرْنا أن علينا إعادة الفرح والاحتفال كما يليق بنا. ولذا حَجَزْنا لاستعراض Christmas on Ice العالميّ مكاناً في لبنان وبدأنا عروضَنا في قصر المؤتمرات في منطقة ضبية الذي رمّمناه ليكون جديراً باستقبال استعراض عالمي بعدما كان مقفلاً لمدة أربع سنوات».
 
وأثناء التحضيرات لاستقبال هذا الاستعراض، بدأت الأوضاع تتأزم في لبنان وتلغى غالبية الحفلات والنشاطات الترفيهية أو تؤجَّل حتى السنة المقبلة «لكننا أصررنا على عدم التأجيل والإلغاء لأننا رأينا أن من حق كل عائلة لبنانية بصغارها وكبارها أن تشعر بأجواء العيد ولا سيما مع تناقص عدد النشاطات المخصصة للصغار». ويضيف أبو أنطون: «طلبنا بعض التعديل في الشخصيات وأردناها باللون الأبيض لتعطي رسالة سلام وأعدْنا تسجيل أغنية خاصة للسلام. هدفنا أن نرسم بسمة ونساهم في بث أجواء حلوة في أعياد آخِر السنة».

 
وكأنهما وطنان تحت سماء واحدة؛ في الجنوب المزيدُ من العائلات تنزح من مناطق كانوا يظنونها آمنة، على وقع ارتقاء المواجهات على مقلبي الحدود في ملاقاة سباقٍ أعلنتْه إسرائيل ضمناً بين مساريْن: واحد على البارد وآخَر على الساخن لإبعاد «حزب الله» عن حدودها الشمالية.
 
وفي مقابل هذا الألم، كانت «جمهورية الأمل والفرح» في البترون البلدة اللبنانية الشمالية تقدّم صورة رائعة لبدء احتفالات موسم الأعياد ضاهتْ بها أهمّ المدن الأوروبية المشهورة بأسواقها واحتفالاتها الميلادية.
 
أما بيروت التي بالكاد استعادتْ أنفاسَها بعد انفجار المرفأ فتُجاهِدُ بدورها لتلمّ أشلاءَ الفرح التي تبعثرتْ في ذلك اليوم المشؤوم، وهي اليوم رغم تأثُّرها الشديد بالحرب الدائرة في الجنوب اقتصادياً وسياحياً ونفسياً، تكافح لاستعادة بعضٍ من وهجها.
 
أكبر معرض ميلادي
 
على مساحة 10000 متر مربع وفي قلب العاصمة بيروت يمتدّ أكبر معرض ميلادي يشهده لبنان. فأكثر من 250 عارضاً سيشكلون الحدَث الاحتفالي والترفيهي الأبرز في موسم الأعياد، في استثمارٍ ضخم تَطَلَّبَ جهوداً كبيرة. سينتيا وردة صاحبة شركة In Action Events تقول لـ «الراي»: «كان في برنامجنا إقامة المعرض الميلادي كل عام، لكن منذ العام 2019 لم تسمح الأوضاع بذلك، وأقمناه العام الماضي بشكل مختصر، وهذه السنة يعود ليكون أكبر المَعارض. لو توقّفْنا لَمَنَعْنا الرزقَ عن مئات العائلات من عارضين وعمّال إضاءة وأمن وتنظيف ومواقف. توقُّف المعرض يعني تَضَرُّر أكثر من 500 شخص. وفريقنا متحمّس للعمل ونريد زرع الفرح والأمل وخصوصاً للأولاد».

 
غريب ومدهش هذا البلد الصغير القادر على النهوض من رماده في كل مرة. مجمع أسواق بيروت، الذي أقفل أكثر من 80 في المئة من محاله إثر ثورة 17 اكتوبر 2019 بعدما تحوّل مركزاً لأحداثها وبعد انفجار المرفأ الذي ألحق به أضراراً فادحة، يستعدّ لولادة جديدة.
 
فبجهود من محافظ بيروت القاضي مروان عبود وشركة سوليدير كان من المقرَّر أن يعاد افتتاح نحو 90 في المئة من متاجره ومطاعمه، لكن الأوضاع المستجدة بعد الحرب في الجنوب أخّرت قليلاً افتتاح بعض المحلات، لكن الأسواق أصرت على نشْر الأضواء والزينة والنشاطات الميلادية الخاصة بالأطفال رغم العثرات.
 

Exit mobile version