ثمّة تحرّكات لإبرام صفقة تبادل أسرى جديدة بين حركة حماس و”إسرائيل”، على ما أعلن إعلام العدو، مشيراً الى أنّ “الظروف مهيّأة بشأن تلك الصفقة”. فيما حماس التي كانت جاهزة لاستكمال عملية التبادل شرط استمرار الهدن الإنسانية، قد أعلنت أنّها لن تستكمل تبادل الرهائن والأسرى ما لم يتوقّف إطلاق النار بالكامل، وذلك بعد الهجوم “الإسرائيلي” الجوي العنيف على غزّة بالصواريخ، فور انتهاء الهدنة المؤقّتة في يومها السابع، والتي كانت قد بدأت في 24 تشرين الثاني المنصرم بوساطة دولة قطر وتنسيق مصري – أميركي، وجرى خلالها الإفراج عن 240 أسيراً فلسطينياً، مقابل 80 رهينة “إسرائيلية”.
فهل صحيح أنّ هناك صفقة جديدة، أم أنّها مجرّد أضاليل “إسرائيلية” لغاية في نفسها؟ وما هي الظروف التي أصبحت مهيّأة لمثل هذه الصفقة؟ تقول مصادر سياسية عليمة بأنّ حركة حماس قد أعلنت موقفها عن أنّها لن تعود الى المفاوضات “غير المباشرة” بالطبع، والى عملية تبادل الأسرى، ما لم يتوقّف إطلاق النار في غزّة، وهي متمسكة بموقفها هذا. كما أنّها لن تُفصح عن عدد الأسرى الفعلي لديها. ما يعني بأنّ “الإسرائيليين” باتوا اليوم في مأزق جعلهم يخترعون الأخبار، بهدف طمأنة الرأي العام الداخلي المتحامل على حكومة بنيامين نتنياهو، التي وعدت أهالي الجنود المحتجزين لدى حماس بتحريرهم من خلال العملية البريّة التي تقوم بها، لكنّها لم تتمكّن من ذلك بعد دخول الحرب شهرها الثالث.
وإذ يتمّ الترويج الى أنّ العدو الاسرائيلي مستعدّ للإستماع الى مقترحات الوسطاء بشأن صفقة جديدة، فإنّ حماس جاهزة لاستكمال المفاوضات بوساطة قطرية، لكن فور وقف إطلاق النار والإلتزام بهذا الأمر من قبل “الإسرائيلي”، الذي لا يكفّ عن قتل المدنيين والإعتداء على المستشفيات في قطاع غزّة تحت ذريعة “التفتيش عن زعيم حماس في غزّة ومدبّر عملية طوفان الأقصى يحيى السنوار”.
أمّا الظروف التي تجدها “إسرائيل” قد نضُجت لكي تعود الى التوافق على صفقة جديدة لتبادل الأسرى، فتتمثّل وفق المصادر، بخشيتها من أن تطول الحرب أكثر ممّا تتوقّع، لا سيما بعد أن أبلغ السنوار الوسطاء المصريين أنّ “الحرب لن تنتهي قريباً”. علماً بأنّ وزير دفاع العدو يوآف غالانت أعلن أيضاً أنّ “الحرب على غزّة ستنتهي عندما تُحقّق أهدافها”.. إلّا أنّها لم تُحقّق أي من الأهداف “الإسرائيلية” حتى الآن. في الوقت الذي لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تعطي “إسرائيل” المزيد من الوقت، ولهذا تزوّدها بالأسلحة للإسراع في عمليتها البريّة وإنهائها.
والحقيقة أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع الصمود أكثر في مجلس الأمن الدولي، على ما أوضحت المصادر عينها، ومواصلة استخدام حقّ النقض “الفيتو” ضدّ أي مشروع قرار يُطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزّة، مع الضغوطات التي تمارسها بعض منظمات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فضلاً عن تبدّل المزاج الشعبي العالمي ووقوف شعوب عديدة الى جانب القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين. كما أنّ إطالة الحرب مع مزيد من الضحايا الأبرياء، من دون تحقيق أي من الأهداف “الإسرائيلية” الموضوعة، لن يجعل العدو قادرا على فرض أي شروط عند التسوية، رغم أنّه يُعلن أنّه يُمارس الضغوطات في القطاع لجلب اقتراحات بشأن هدن جديدة تدرسها حكومته. علماً بأنّه معروف بالمراوغة وقلب الحقائق لمصلحته حتى ولو كانت نتائج الحرب سيئة بالنسبة له.
وإذ تحدّث غالانت عن أنّ “إسرائيل منفتحة على بحث كلّ الإمكانيات بشأن مستقبل غزّة، لكن لن يكون هناك دور لحركة حماس فيه”، أكّدت المصادر السياسية أنّ حماس تملك اليوم، رغم كلّ ما أحدثه الهجوم “الإسرائيلي” الوحشي على القطاع، من قتل المدنيين وإلحاق الدمار الكبير في المباني والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية، ثلاث أوراق رابحة في يدها. وهذا الأمر يجعلها من الأطراف الأساسية التي ستجلس حتماً الى طاولة المفاوضات، وإن كان الرئيس محمود عبّاس هو المتحدّث باسم دولة فلسطين. وهذه الأوراق هي: الأرض والرهائن العسكريون والأسلحة. فلا مستقبل لفلسطين من دون حماس، على ما يُحاول “الإسرائيلي” فرضه، لأنّه مهما فعل لن يستطيع القضاء على روح المقاومة لدى كلّ فلسطيني في القطاع قُتلت عائلته، وهُجّر من أرضه، ودُمّر منزله وفَقَد كلّ ما يملك..
وفي الوقت الذي تسعى فيه أميركا الى مساندة الموقف “الإسرائيلي” عن صفقة تبادل جديدة محتملة، بهدف الإفراج عن المحتجزين “الإسرائيليين” ليس إلّا، فإنّ حماس تصرّ على ضرورة الوقف الشامل لإطلاق النار للمضي في أي صفقة تبادل جديدة تشمل العسكريين، على ما أشارت المصادر، خصوصاً وأنّ الولايات المتحدة تُوافق على الهدن الإنسانية لإطلاق سراح الأسرى، في حين ترفع “الفيتو” في وجه أي مشروع في مجلس الأمن يوقف إطلاق النار في غزّة، كونها تجد أنّ الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الخطوة.
غير أنّ كلّ شيء يُصبح ممكناً، على ما عقّبت المصادر نفسها، فور وقف إطلاق النار والإلتزام به من قبل الطرفين. عندها يُمكن الدخول في صفقة تبادل جديدة تتعلّق بإطلاق سراح الرجال والمجنّدات اللواتي أرادت “إسرائيل” إدخالهنّ، عن طريق الإحتيال في صفقة سابقة تضمّنت الإفراج عن الأطفال والنساء. أمّا فكّ أسر الرهائن العسكريين الذين يصل عددهم الى 138، بحسب المعلومات، وترفض حماس الإفصاح عن عددهم الفعلي، فلن يحصل إلّا مع وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وانسحاب “القوات الإسرائيلية” من كامل أجزائه، مقابل تصفير السجون “الإسرائيلية” من الأسرى الفلسطينيين. أمّا عن تسليم قادة حماس أنفسهم لجيش العدو ، فيبقى أحد الأحلام الذي يُراود “الإسرائيليين”.
من هنا، ترى المصادر بأنّ التهدئة والعودة الى فرض هدنة جديدة ، من شأنهما أن يفسحا في المجال لوضع شروط مغايرة لما سبق وأن جرى طرحه ورُفض من قبل الطرفين.
وعلى العدو الاسرائيلي أن يبدي جهوزيته لوقف إطلاق النار قبل الحديث عن أي صفقة تبادل جديد، عندها سيكون لحركة حماس الموقف المناسب.
دوللي بشعلاني – الديار