يقود رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل معركَتَي الإطاحة بقائد الجيش العماد جوزاف عون، سواء من قيادة الجيش برفض التمديد أو تأجيل التسريح، أم من فرص الوصول إلى رئاسة الجمهورية. يُريد موطئ قدم في المواقع المسيحيّة الرئيسيّة الثلاثة: قصر بعبدا، اليرزة ومصرف لبنان. ولن يتوانى عن استخدام كلّ الأسلحة القانونيّة والسياسيّة في «حربه الوجوديّة». لأجل ذلك، شنّ باسيل هجوماً غير مسبوق على عون متّهماً إيّاه بـ»خيانة الأمانة وقلّة الوفاء والوقاحة ومخالفة القانون وتنفيذ سياسة الغرب». أوصاف يراها البعض أنها «تَلبَس» رئيس «التيار»، «صهر العهد البائد»، وأنّ ذهنية «شخصنة» المؤسّسات تتجسّد به أكثر من غيره. يعدّ باسيل العدّة ويسنّ «سكاكين الطعن» أمام مجلس شورى الدولة في حال تأخير التسريح بالحكومة، وأمام المجلس الدستوري في حال إقرار قانون التمديد في مجلس النوّاب. وإذا كانت نيران المواقف الباسيلية سهلة الوصول إلى أهدافها، فهل ستكون سالكة على طريق المؤسّسات القضائية؟
بداية، تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس شورى الدولة هو المحكمة الإدارية العليا في لبنان (أعلى سلطة قضائية) للبتّ في المنازعات الإدارية التي يكون أحد أطرافها شخصاً من أشخاص القانون العام (الدولة – المؤسسات العامة – البلديات). ويحقّ لأي شخص له «الصفة المباشرة» الطعن أمامه. وتنصّ المادة 77 منه أن لمجلس شورى الدولة تقرير وقف التنفيذ بناء على طلب صريح من المستدعي، إذا تبيّن من ملف الدعوى أنّ التنفيذ قد يلحق بالمستدعي ضرراً بليغاً وأن المراجعة ترتكز على أسباب جديدة مهمة. إلا أنّه لا يجوز وقف التنفيذ إذا كانت المراجعة ترمي إلى إبطال مرسوم تنظيمي أو إلى إبطال قرار يتعلّق بحفظ النظام أو الأمن أو السلامة والصحّة العامة. في هذا السياق، يرى الرئيس السابق لمجلس الشورى القاضي شكري صادر، أنه إذا كان التمديد أو تأجيل التسريح صادراً بمرسوم عن مجلس الوزراء، فمن الصعب وقف تنفيذه كونه يتعلّق بالأمن القومي، في ظلّ الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمرّ فيها لبنان من معارك دائرة عند حدوده الجنوبية والتهديد بحرب مفتوحة عليه. إضافة إلى الفراغ المستمرّ في رئاسة الجمهورية. وأوضح أنّ مهل إصدار الحكم أو القرارات عن مجلس الشورى غير محدّدة زمنيّاً وقد يتطلّب البتّ بها سنة أو سنتين على عكس المجلس الدستوري، ما يعني بطريقة غير مباشرة، أنّ المطعون به قد يبقى في مسؤوليته طيلة الفترة المنويّ تمديدها. أمّا إذا قرّر المجلس وقف التنفيذ (المرسوم)، فعليه البتّ به خلال مهلة أسبوعين على الأكثر من تاريخ إيداع جواب الخصم. وعن سوابق حصلت في الماضي، يعود صادر إلى فترة قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي حين مدّد له وزير الدفاع وقتذاك فايز غصن في العام 2013 لغاية العام 2015، ثم مدّد له وزير الدفاع سمير مقبل من 2015 حتى نهاية أيلول 2016. ويقول عن تلك المرحلة إنه «عقب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، انتهت معها مدّة قائد الجيش، وتقدّم أحد الأشخاص آنذاك بطعنٍ أمام مجلس شورى الدولة، وكانت تلك المرحلة شبيهة بالوضع الراهن لناحية عرقلة الانتخابات الرئاسية، وشنّ حملة على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من الفريق ذاته (اليوم)، الذي عاد ومدّد له في مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال. وأضاف صادر أنه «استناداً لأحكام المادة 77 من نظام الشورى، لم يوقف التنفيذ، واستمرّ عرض لوائح الدفاع إلى حين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وتعيين قائد للجيش. ما يعني أنّ تقديم الطعن قد يأخذ وقتاً للبتّ به في حال لم يأخذ قرار وقف تنفيذ مرسوم التمديد أو تأجيل التسريح». أمّا بالنسبة إلى أحكام المجلس الدستوري، فأشار صادر إلى أنّها محدّدة لناحية الجهات الطاعنة ومهل الطعن. إذ يحقّ لـ10 نوّاب أن يطعنوا بقانون التمديد الصادر عن مجلس النوّاب. في هذا السياق، يشدّد على القاعدة القانونية التي تقول إن «القانون هو عام وغير شخصي»، بمعنى أنه إذا كان التمديد محصوراً بشخص قائد الجيش فقط، عندها تصبح حظوظ الطعن أمام المجلس الدستوري كبيرة، أمّا إذا كان قانون التمديد يشمل مجموعة من الأشخاص أي من رتبة عميد وصولاً إلى قائد الجيش، فعندها تلامس نسبة الطعن الصفر. ويتوقّع صادر أن يعتمد النوّاب الذين يؤيّدون التمديد هذا المبدأ القانوني كي لا يقعوا في الفخّ.
في الخلاصة، إذا كانت المعارك السياسية هي «قرقعة من دون طحين»، تبقى للمؤسسات القضائية كلمة الفصل، لا سيّما مجلس شورى الدولة، الذي مارس سلطته في أكثر من قضية، نذكر منها على سبيل المثال: عندما صادق على قرار ديوان المحاسبة الصادر بتاريخ 25 أيلول 2020 وألزم فيه وزير الأشغال العامّة والنقل الأسبق محمد الصفدي بدفع غرامة بقيمة مليونين و500 ألف ليرة لبنانية، بالإضافة إلى غرامة تساوي راتب ثلاثة أشهر تحتسب بناء على الراتب الذي كان يتقاضاه عندما كان وزيراً. وعندما رَفَضَ وزير المال، يوسف الخليل، الكشف عن مضمون تقرير التدقيق الجنائي الذي أنجزته شركة «ألفاريز أند مارسال»، واستند تارة إلى أن الكشف عن التقرير يحتاج لقرار من مجلس الوزراء، وتارة أخرى إلى الاستثناءات الموجودة في قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، معتبراً أن مضمون التقرير يمسُّ «الأمن القومي المالي». لكن «صمود» الوزير أمام المطالب واللجوء إلى القانون لانتزاع الحق، سقطا بفعل قرار مجلس شورى الدولة إلزام الوزارة الكشف عن التقرير «بصورة فورية ودون إبطاء». إذ قرَّرَ القاضي كارل عيراني، في 18 تموز 2023 إلزام الوزارة «تسليم المعلومات المتوافرة لديها، وأي مستند مفيد يتعلّق بالواقع الراهن بالنسبة لمراحل تنفيذ التدقيق الجنائي». وهذا ما حصل. كما أبطل في 17 تشرين الثاني بناء على تقرير القاضي كارل عيراني، قرار وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، بالامتناع عن تبليغ السياسيين بجلسات الاستجواب في ملف انفجار مرفأ بيروت، وأصبحت بنتيجته الضابطة العدلية ملزَمة بتبليغ الاستنابات الصادرة عن المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار.