لا يقتصر تأثير القذائف الفوسفورية التي يستخدمها العدو الإسرائيلي في اعتداءاته على جنوب لبنان على التسبّب بإحراق أحراج الأشجار المعمّرة وبساتين الزيتون، بل تمتد تأثيراتها إلى مدة زمنية طويلة، وتتسبّب بتسميم التربة وتلويثها بالمعادن الثقيلة وصولاً إلى الإشعاعات النووية. إذ إن القذائف المستخدمة تحتوي، إضافة إلى الفوسفور الأبيض، على معادن ثقيلة يؤدي ترسّبها في الأرض إلى تغيّرات في نوعية التربة، وتقلّل من خصوبة الأرض وجودة المحاصيل وفقاً لدراسات أجراها مهندسون زراعيون أكّدوا أنّ العدو يهدف إلى «القضاء على الغطاء الحرجي في مناطق الحافة الأمامية المتاخمة للحدود الفلسطينية»، مشبّهين الأمر بـ«القصف الأميركي للغابات الفيتنامية بالمبيدات للقضاء على الأشجار».الخبير في الزراعة المستدامة المهندس قاسم جوني وصف قصف العدو للأحراج بـ«الإرهاب البيئي». وأكّدت دراسة أجراها جوني حول أثر القنابل الفوسفورية، نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت، أنّ المواد الموجودة في القذائف الفوسفورية «تعرّض التربة للتعرية والحرق، وتجرّدها من المواد العضوية والرطوبة الأساسية للزراعات البعلية المعتمدة جنوباً كزراعة الزيتون».
النتيجة المفاجئة التي توصّل إليها جوني بعد إخضاع عيّنتين من التربة للفحص، إحداهما من حفرة تسبّب بها صاروخ بعمق 3.5 أمتار، والثانية من نقطة بعيدة عن الأولى 500 متر، فكانت في أن نسبة الإشعاعات النووية في موقع القصف كانت أعلى بمرة ونصف المرة عنها في الموقع الآخر، ما يشير إلى وجود معادن ثقيلة مشعّة في رؤوس الصواريخ المستخدمة. والنتيجة نفسها كانت قد توصّلت إليها دراسات سابقة لمجموعة من الباحثين أجريت على أراضٍ قُصفت في حرب تموز 2006، وأظهرت وجود «يورانيوم منضّب» فيها، إضافة إلى المعادن الثقيلة كالرصاص، والكادميوم، والسترونتيوم.
كذلك وجد جوني أن تربة المنطقة التي تعرّضت للقصف بالفوسفور جرّدت من «عناصرها الغذائية الجيّدة»، إذ سجّلت انخفاضاً في المياه بنسبة 13%، واحتراق 51% من المواد العضوية، وتحوّل لون التراب من البني الغامق إلى اللون الفاتح، وتغيّر شكله إلى كتل حجرية أكثر قساوة ما يمنع جذور النباتات من اختراقها بسهولة، إضافة إلى انخفاض نسبة المادة الفوسفورية الجيّدة في التربة التي يستفيد منها النبات.
يؤكد جوني أنّ الأراضي المحروقة بالفوسفور يمكن إعادة استخدامها للزراعة بشرط إعادة تأهيلها عبر إعادة دمج المواد العضوية المحروقة في التربة باستخدام التسميد الطبيعي ومخلّفات الحيوانات كالبقر والدواجن. أما المواد المعدنية المساعدة على نمو المزروعات فتستبدل مرحلياً بالسماد الكيميائي، بحسب نوعية الأرض، لافتاً إلى ضرورة العودة إلى المهندسين الزراعيين قبل استخدام الأسمدة، إذ تختلف باختلاف طبيعة الأرض والمزروعات الموجودة فيها. فيما يؤكد مهندس زراعي شارك في عمليات الكشف جنوباً أن «عملية تنقية الأرض من الشوائب طويلة ومكلفة، لذلك ينبغي على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها في هذا الشأن، بعد إجراء فحوصات مخبرية مهنية توضح وضع التربة والمياه في المناطق المستهدفة».
فؤاد بزي – الاخبار