الولايات المتحدة عدو لـ”حزب الله” ولمؤسِّسته الجمهورية الإسلامية في إيران منذ قيامها عام 1979. وقد مارست الدولة الأعظم في العالم والدولة التي صمّمت منذ تأسيسها على استحقاق دور بالغ الأهمية في العالم الإسلامي ومن ضمنه العربي هذه العداوة خلال الـ44 سنة التي مضت على قيامها مارستا هذه العداوة في انتظام، لكنهما امتنعتا عن الاقتتال مباشرة رغم أن دولاً عدة في المنطقة معظمها عربي ومعها إسرائيل كانت تتمنى أن تزيح القوات الأميركية هذا الهم عن قلوب حكّامها وربما عن قلوب شعوبها أيضاً. أسباب ذلك كثيرة وأحياناً متناقضة لكونها مبنيّة على تحليلات بعضها منطقي وبعضها الآخر فيه الكثير من التمنيات.
فإيران الإسلامية قرّرت من زمان أنها لا تحب الانتحار وأنها تفضّل بناء نفسها في كل المجالات من سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية، ووضعت في الوقت نفسه استراتيجيا خاصة بها في العالم الإسلامي ومنه العربي كما في العالم ونفّذتها بكثير من النجاح على مدى أربعة عقود وأربع سنوات. وهي قامت على بناء قوتها العسكرية وتطويرها وعلى بذل كل ما تستطيع من جهود ومن مال للتحوّل قوة عظمى في المنطقة.
ودخولها المجال النووي ونجاحها في بناء كل ما يلزم وفي قطع كل المسافات بغية امتلاك المعرفة النووية الكاملة والنجاح في خفض اليورانيوم بنسبة تؤهّلها عند الحاجة الى إنتاج سلاح نووي، هذا الدخول مكّنها من الاقتراب كثيراً من تحقيق طموحها التوسعي في الإقليم وبموافقة الولايات المتحدة وربما بترحيبها. وساعدتها في ذلك عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر ورد إسرائيل عليها بحرب إجرامية نجحت في إبادة البشر أطفالاً ونساءً ورجالاً وفي القضاء على العمران والحجر. وقول أميركا أكثر من مرة إن طهران ليست مسؤولة عما جرى في 7 أكتوبر هو أحد الأدلة على ذلك. وكانت إسرائيل من هذا الرأي أيضاً، وانطلاقاً من ذلك يتساءل لبنانيون كثيرون عن الموقف الأميركي الفعلي من لبنان في ضوء تدخل “حزب الله” من جنوبه الى جانب “حماس” ومقاتليها في غزة، كما عن موقف “الحزب” من واشنطن فضلاً عن انعكاسات ذلك كله على لبنان. الجواب عن هذا التساؤل ليس سهلاً لكن المتابعين اللبنانيين من قرب أنفسهم “حزب الله” وحركته داخلاً وخارجاً يحاولون استناداً الى معلومات لديهم لا إعطاء أجوبة جازمة بل إلقاء الضوء على تطورات ومواقف معينة يمكن أن توحي بأجوبة.
يقول هؤلاء إن الولايات المتحدة لا تبدو ميّالة الى رؤية إسرائيل تشن حرباً واسعة على لبنان. وتشاركها موقفها هذا دول غربية عدة. لكن نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يمانع شن حرب مدمّرة على لبنان عقاباً له على ترك “حزب الله” يسرح ويمرح في البلاد ويمسك بمفاصلها ويبني جيشاً قوياً على أرضها ويتخذ قرارات مصيرية سواء بالحرب أو بالسلم نيابة عنها أي الدولة ولا يستطيع أحد من معارضيه اللبنانيين أو أعدائه إلغاءها أو منع تنفيذها.
بل هو ينتظر الفرصة الملائمة لشن حرب كهذه ليس لأسباب “وطنية إسرائيلية” على الإطلاق بل حرصاً على تعزيز موقعه السياسي داخل بلاده ولا سيما بعدما أظهرت عملية “الطوفان” نوم إسرائيل ورجلها القوي منذ عشر سنوات تقريباً أو ربما أكثر على “أمجاد” حقّقها أسلافه ولم يفعل ما يلزم لإبقائها. موقعه المشار إليه بات مهدّداً في الداخل وأيضاً في الخارج ولا سيما بعدما بدأت إدارة الرئيس الأميركي بايدن تنتقده (أي نتنياهو) علانية وتطالبه بوقف الحرب والبحث عن حلول سياسية”.
انطلاقاً من ذلك يقول اللبنانيون المتابعون من قرب أنفسهم “حزب الله”، “إن الإدارة الأميركية مصمّمة على إخراج لبنان من دائرة حرب نتنياهو بعد الفشل الذي أُصيب به حتى الآن في القضاء على “حماس”، وبعد النجاح الباهر الذي حقّقه بقتله فلسطينيي غزة الآمنين وتدمير منازلهم ومساجدهم وكنائسهم ومستشفياتهم ومدارسهم وكل شيء ينبض بالحياة فيها. إلا أن نجاح أميركا في إبعاد الحرب عن لبنان يحتاج الى “مساعدة” “حزب الله” بعدم توفير ذريعة مهمة جداً يبرِّر بواسطتها نتنياهو انتقامه من لبنان”.
ماذا عن أميركا وإيران على هذا الصعيد؟ يجيب المتابعون اللبنانيون أنفسهم “أنهما “متفقتان” على عدم توسيع الحرب على غزة وعلى تجنّب وصولها الى لبنان، كما على ضرورة إيجاد حلول لغزة وأخرى للقضايا الإشكالية والخلافية المعلّقة بين إسرائيل ولبنان. لكن ذلك لا يعني حتى الآن على الأقلّ اتفاقاً على صيغة لمرحلة ما بعد انتهاء حرب غزة تساعد في العمل لإيجاد حل لقضية فلسطين وصيغة تمكّن كل من شعبي الاثنين من الحياة باستقلال في “بلاده”. علماً بأنه قد يفتح باب التفاهم على نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط لن تكون إيران الإسلامية بعيدة منه”.
ما الاحتمالات الممكنة للحلول بين إسرائيل و”فلسطين”؟ يجيب المتابعون من قرب أنفسهم “حزب الله”: “هناك حل الدولتين وحكم السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وتفاهم “حماس” والسلطة على الحكم معاً لحماية غزة وإبقاء الأمل في إقامة دولة فلسطينية وخروج “حماس” العسكرية من غزة وبقاء “حماس” السياسية أو ربما حتى بقاؤها كما هي، ولكن مع أدوار محتملة لدول عربية عدة في ضمان عدم تجدّد ما حصل في القطاع في 7 أكتوبر وقبل ذلك في تجنّب الإعداد له. إلا أن هذه المرحلة لم يصل إليها بعد الأميركيون والآخرون. ولا يبدو أن نهاية ما يجري قريبة. فأميركا أعطت إسرائيل أسابيع قليلة لإنجاز عمليتها العسكرية في غزة لكنها على ما يبدو تحتاج الى وقت أطول. وهي أي أميركا لن تترك نتنياهو في أي حال يثأر من لبنان إذا أخفق في غزة.
“النهار”- سركيس نعوم