خلال زيارتها للبنان، اعربت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا عن قلق فرنسا المتزايد من إمكان تدهور الوضع اكثر في الجنوب، وأكدت على الجانب اللبناني بأن ينتبه الى خطورة الوضع، ويسعى بفعالية لتجنب انزلاق الوضع الى حرب واسعة، مشدّدة في هذا السياق على تطبيق القرار 1701 بشكل اكثر دقّة.
وأكدت المعلومات الصحافية أن لقاءات كولونا تناولت طرح اقتراح معاودة اجتماعات اللجنة العسكرية الثلاثية في الناقورة، والبحث في النقاط الست الباقية من النقاط المتنازع عليها، ووقف الخروق المتبادلة، وأنها لم تطرح من قريب او بعيد موضوع انسحاب “حزب الله” من منطقة الحدود الجنوبية الى شمال الليطاني. فهل بدأ العد العكسي لترسيم الحدود البرية مع اسرائيل؟
العميد المتقاعد انطون مراد يؤكد لـ”المركزية” “وجود 13 نقطة متنازعاً عليها على الحدود بين لبنان واسرائيل، 6 نقاط منها ممكن تجاوزها بسهولة وحلّها من دون جهد. لكن تمّ وقتها تحديد 13 نقطة لأننا لم نترك أي ثغرة ليتم التفاوض على أساسها لاحقاً. وتنقسم النقاط الخلافية الى نوعين الأول يحتاج الى جهد للتفاوض والثاني شبه محلول”.
ويضيف: “ومن النقاط شبه المحلولة ولا تحتاج الى جهد مع الجانب الاسرائيلي لأنه تم الاتفاق عليها بين الجانبين عند وضع العلامات الحدودية هي: علما الشعب حيث أن الوادي هو خط الحدود، والنقطة B13 أيضاً في علما الشعب شبه محلولة، لأنه خرق صغير لا يُذكر، ونقطة أخرى في علما الشعب أيضاً حلها ممكن لأنها منطقة جرداء لا تؤثر على العدو الاسرائيلي، والنقطة رقم 9 في مروحين أيضاً شبه محلولة وغير صعبة. كما ان رميش غير صعبة أيضاً لأنها منطقة جرداء لا تمسّ بالبنى التحتية للعدو الاسرائيلي. لكن الاساسيات، هي النقاط المتبقية التي تحتاج الى جهد، أهمها رأس الناقورة التي تتضمن الـB1 الصعبة نوعا ما، وكفركلا والعديسة ومسكاف عام حيث يوجد مبان وتجهيزات للعدو. والنقطة الأخيرة الصعبة جدا او بالاحرى الاصعب بين المطلة والوزاني، وهي محور خلاف منذ العام 1949”.
ويشير مراد إلى أن “هذه الأمور لا يمكن حلّها في اللجنة الثلاثية، وعودة اجتماعاتها ستكون مقدّمة لتبريد الأجواء”، مؤكداً أن “المجتمع الدولي يسعى إلى أخذ لبنان إلى تنفيذ اتفاق الهدنة بشكل غير معلن لكن تحت عنوان الـ1701.
فالقرار 1701 يتحدث عن الحدود الدولية مرتين ضمن بنوده، في الفقرة الخامسة ينص: “يعيد أيضاً تأكيد تأييده الشديد، حسب ما أشار إليه في قرارته السابقة ذات الصلة لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً، حسب الوارد في اتفاق الهدنة العامة بين لبنان واسرائيل المؤرخ في 23 حزيران 1949”. إذاً هنا نستند على ما ينص عليه الـ1701 ولا نستنبط أي شيء من خارجه.
وفي الفقرة العاشرة من الـ1701، يطلب من الأمين العام ان يضع خلال اتصاله مع عناصره الفاعلة الرئيسية الدولية والاطراف المعنية مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة باتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 بما في ذلك نزع السلاح ولترسيم الحدود الدولية للبنان لا سيما في مناطق الحدود المتنازع عليها او غير المؤكدة بما في ذلك مزارع شبعا”.
ويتابع: “إذا نحن ذاهبون باتجاه الـ1701 + أي مناطق التحفظ وبالتالي عندما نعالج مناطق التحفظ نكون قد عدنا إلى خط الهدنة. وبالتالي، نتجه إلى إعادة تطبيق اتفاق الهدنة تحت عنوان الـ1701.
وأهم من ينص عليه الـ1701 هو “أولاً، دعوة الأطراف لوقف الأعمال العدائية (ستكون نتيجة تطبيقه وقف الأعمال العدائية الحالية)، ثانياً، دعوة الحكومة اللبنانية واليونيفيل للانتشار في الجنوب، ودعوة اسرائيل لسحب قواتها (هنا لم يعد من سحب للقوات لأن اسرائيل انسحبت من جنوب لبنان الذي كانت تحتله آنذاك، لكن سحب قواتها من المناطق المتحفظ عليها)، ثالثاً، دعم الاحترام الكامل للخط الأزرق (عندما نصحح الأمور يصبح هو نفسه خط الهدنة)، رابعاً، الطلب من لبنان واسرائيل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يقوم على الأسس التالية: الاحترام الكامل للخط الأزرق، توقيع ترتيبات لمنع وقوع أعمال عدائية وذلك من خلال جعل منطقة جنوب الليطاني خالية من أي سلاح، وعناصر، وذخيرة أو أي أدوات عسكرية غير تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل (هذا هو البند الذي تطالب اسرائيل به بشكل رئيسي)، وتعزيز اليونيفيل ليصبح عديدها 15 ألفاً والجيش اللبناني أيضاً، ومهمتها ستكون مراقبة وقف الأعمال العدائية، دعم الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني (وهنا نص على دعم الحكومة وليس الحلول محلها أو محل الجيش) الذي سينتشر في الجنوب بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي، وتنسيق النشاطات عبر التواصل مع الحكومتين”.
ويضيف: “ثمة فقرة في الـ1701 تنص على ان من أجل دعم الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها جنوب الليطاني، ويمكن لليونيفيل اتخاذ الاجراءات اللازمة في منطقة انتشار قواتها لضمان أن هذه المنطقة لا تُستخدَم لأي أعمال عدائية ولمنع أي عمل من شأنه إعاقتها في تنفيذ مهامها (وهذا معناه أنهم أعطوا اليونيفيل الضوء الأخضر لاستخدام القوة في هذا المكان)”.
ويتابع: آنذاك، قيل أن القرار لا يندرج تحت الفصل السادس او السابع بل بينهما، ستة ونصف، طبعا لا يوجد ستة ونصف لكن من باب التخفيف. في النهاية لبنان يذهب باتجاه الـ1701 +، أي تطبيقه الحرفي الكامل، وعندها يساوي اتفاق الهدنة”.
ماذا عن المعلومات التي تقول بالمقايضة بين الاستقرار في الجنوب مقابل عدم تنفيذ الـ1559 وعدم نزع سلاح الميليشيات؟ “حزب الله يسهل عليه التطبيق في هذه الحالة لأنه كان يطبّق الـ1701 ظاهرياً، لكن باطنياً كانت لديه إمكانية الاحتفاظ ببعض الأسلحة بشكل سرّي كون الشعب الجنوبي بمعظمه موال له، وبالتالي كان يستفيد من هذا الوضع ليبقى موجوداً بشكل دائم. حزب الله ترك الجنوب ظاهريا لكنه لم يتركه أبدا عملياً، والدليل أن عندما بدأت في 7 اكتوبر عملية “طوفان الأقصى”، كان في 8 اكتوبر جاهزاً ويردّ. قبل 7 اكتوبر، لم يكن يرى المواطنون أي مظهر مسلح في الجنوب، وبالتالي، ليس لدى حزب الله صعوبة لتطبيق الـ1701، خاصة وأن الحكومة اللبنانية تحتضنه، ويأمن جانبها، الجيش اللبناني لا يمكن ان يطعن حزب الله في الظهر بأي مكان جنوب الليطاني.
الـ1701 صدر عام 2006 وكان قبله 1559 صادرا، من 2006 حتى 2023 لم يتحدث أي أحد عن الـ1559، هناك الكثير من الأمور في القرارات الدولية تكون موضوعة بشكل نظري ولا تطبق عملياً. من جهة أخرى، فإن عمل اليونيفيل دعم الحكومة اللبنانية والجيش وطالما الحكومة لا تعتبر حزب الله ميليشيا، وهي ببياناتها الوزارية كلها تدعم المقاومة، إذاً حزب الله مغطى شرعياً وهذا أصبح شأناً داخلياً لاعلاقة للقرارات الدولية به”، مشيراً إلى أن “الـ1701 كما يتم العمل عليه، سيؤمن مطلب الطرفين، حزب الله سيخرج منتصرا من خلال عدم إدخال تعديلات ضده في الـ1701، وتطبيقه كما هو حرفياً، واسرائيل تعتبر نفسها منتصرة أيضاً لأنها أعادت تطبيق الـ1701، وبالتالي من شروط هذا التفاوض أن يشعر الطرفان بأنهما رابحان”.
وعن عودة عمل اللجنة الثلاثية يقول مراد: “عندما تم تشكيل اللجنة عام 2006، في اجتماعاتنا الثلاثية كانت مهمتنا تنسيق انسحاب الجيش الاسرائيلي وانتشار الجيش واليونيفيل. لذلك من الممكن ان تبدأ اللجنة بالاستعداد لتنسيق وقف الأعمال العدائية وتنسيق انتشار عديد إضافي للجيش، لأن الجيش اللبناني كان عديده 15 ألفاً وتناقص إلى أقل من النصف بسبب الوضع الداخلي. طبعا سيكون هناك طلب لإعادة تعزيز الجيش في الجنوب، وقد يصار إلى تعزيز اليونيفيل أيضاً، لأن من المفترض أن يكون 15 ألفاً وانخفض العدد الى نحو عشرة آلاف في الجنوب. قد يصار إلى إضافة المراكز العسكرية من اليونيفيل والجيش وإجراءات إدارية وتنسيق عسكري كما حصل عام 2006”.
ماذا عن دور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين؟ “مهمة هوكشتاين معالجة نقاط التحفظ بالاضافة إلى بلدة الغجر (الجزء اللبناني منها) ومزارع شبعا. هو يساهم بتطبيق الـ1701 وقد يكون حضوره ليس ضمن اللجنة الثلاثية بل خارجها، كما كان يحصل في السابق، حيث تحصل اتفاقات سياسية بشكل ثنائي، ومن ثم يصار إلى تنفيذها عبر اللجنة الثلاثية. دور هوكشتاين إعادة المناطق المتحفظ عليها ومعالجة مشاكلها وبالتالي يصبح الخط الازرق متطابقا مع خط الهدنة أي مع خط الحدود الدولية”.
المركزية – يولا هاشم