لم تكن المناخات الإيجابية التي أطلقتها جلسة التصويت للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة، سوى المدخل لمرحلة جديدة على المستوى الداخلي، ولن تتأخر مفاعيلها بالظهور قريباً، وذلك، انطلاقاً من عملية خلط أوراق سياسية، يكشف عنها الكاتب والمحلِّل السياسي نبيل بومنصف، والذي يلاحظ أنه كان من المفيد جداً ما قام به رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حيث أنه افتعل معركةً لم يكن لها أي لزوم، ودفع بالتالي نحو مشهدٍ أدى إلى خلط أوراق جديدة، أبرزها التقارب بين المعارضة المسيحية، وخصوصاً “القوات اللبنانية”، والرئيس نبيه بري.
فهل من الممكن البناء على هذا المشهد الجديد؟ يستبعد المحلِّل بومنصف في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أن يؤدي ما تحقّق إلى تحالف أو إلى زوال الحساسيات، ولكن يُبنى على التقارب الذي حصل بين قوى مسيحية وبكركي من جهة، والرئيس بري من جهة أخرى، كما بين القوى المسيحية والمؤسسة السنّية، حيث أنه قد تمّ التصويت على مشروع التمديد على أساس المجموعة السنّية الشمالية، وبالتالي، من الممكن البناء على مشهد التمديد في الإستحقاق الرئاسي، وإن كانت كل هذه الأطراف غير متّفقة على مرشح رئاسي واحد.
أمّا العنصر الثاني الذي يجب التركيز عليه في هذا السياق، برأي المحلِّل بومنصف، فهو اللقاء الذي حصل بين قائد الجيش ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وإن كان من المؤكد أن أياً منهما لن يتنازل للآخر، ولكن هذا اللقاء يشكل جزءاً من مشهد قيد التغيير بعد التمديد للجنرال عون.
واعتباراً من اليوم وحتى مطلع العام المقبل، يتوقّع بومنصف، أن تبدأ الساحة المحلية بتلمّس بعض العناصر الجديدة في أزمة الرئاسة، مشيراً إلى “دفعٍ كبير من الدول الخمس، التي سوف تبني على واقع أن مجلس النواب صوّت للتمديد للقادة الأمنيين، وبالتالي من الممكن الرهان على هذا الدفع، في الإستحقاق الرئاسي”.
وعن إعلان فريق “الثنائي الشيعي” أن التصويت على التمديد لا ينسحب على الإستحقاق الرئاسي، يشير بومنصف، إلى أن “الثنائي” ما زال متمسكاً بترشيح رئيس تيار “المردة”، حيث أن التصويت لقائد الجيش لم يحصل على أساس التصويت لمرشّح رئاسي، حتى أن داعمي عون كالقوات والكتائب لم تعلنا أنهما تصوّتان للمرشح الرئاسي جوزف عون بل للقائد عون.
لكن بومنصف يستدرك موضحاً، أن المعارضة قد أبدت استعدادها للبحث في الملف الرئاسي، وقد أعلن ذلك بوضوح النائب سامي الجميل، ومشدّداً على وجوب أن يستشعر الآخرون هذا المناخ ويباشروا التفاوض على المرشّح الثاني.
وبالتالي، “بتنا اليوم أمام مشهد مختلف”، يضيف بومنصف، الذي لا يوافق على أن المنافسة الرئاسية باتت محصورة بين فرنجية وعون، مؤكداً أن كل مرشّحي المرحلة السابقة، باتوا خارج السباق وستبدأ المفاوضات قريباً على مرشحٍ جديد أو الخيار الثالث.
أمّا عن الخيار الثالث، يقول بومنصف، إن هذا الخيار يضمّ المستقلين التوافقيين، أي كل مرشّح غير حزبي وقادر على تأمين أكبر مساحة ممكنة من التوافق الداخلي والخارجي، مشيراً إلى أن الفصل الأول من العام الجديد، سيحمل تطوراً حاسماً في الملف الرئاسي، وإلاّ فالبلد يتّجه إلى انهيارات جديدة مع الإستحقاقات المقبلة، ذلك أن الإستقرار المالي لن يصمد، في ظل أزمة تمويل الكهرباء والدواء والرواتب في لبنان.
ويخلص بومنصف، إلى الإشارة إلى أن الإستقرار المالي “إيجابي ولكنه غير ثابت ولن يدوم، وسيشكّل عامل ضغط كبير في الوضع الداخلي، وهذا إذا سلّمنا جدلاً أن لبنان سينجو من قطوع حرب مع إسرائيل، لأن ما يحصل في الجنوب ليس مجرّد مناوشات، بل هو نصف حرب، ولم نقطع المسافة الآمنة للقول أن لبنان بمنأى عن التهديد بالحرب، وطالما الجبهة مشتعلة فإن لبنان في حالة حرب، حيث أن أكثر من45 بلدة جنوبية تُدمَّر يومياً و90 ألف من أبنائها قد تهجّروا من بيوتهم”.