حراك دبلوماسي وتهديدات إسرائيلية.. هل ارتفعت احتمالات الحرب في لبنان

بالتوازي مع استمرار الحرب على “جبهة” جنوب لبنان، المصنّفة ضمن جبهات “الإسناد” لقطاع غزة الذي يتعرّض لحرب إسرائيلية همجية وغير مسبوقة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي “العاجز” حتى الآن عن فرض مجرّد وقفٍ لإطلاق النار، بفعل “الفيتو” الأميركيّ الثابت، تستمرّ “التكهّنات” في الأوساط المحلية والخارجية حول احتمالات تدهور الوضع، وانزلاقه في أيّ لحظة إلى حرب مفتوحة وشاملة.
 

 
وعلى الرغم من أنّ كلّ المؤشرات تدلّ منذ بدء الاشتباكات على الحدود الجنوبية في الثامن من تشرين الأول الماضي، أنّ الطرفين المعنيَّيْن، أي إسرائيل و”حزب الله”، لا يريدان الذهاب إلى حرب بأتمّ معنى الكلمة، ويكتفيان بالمناوشات الحالية، وإن تفاوتت وتيرتها، واختلفت أهدافها، إلا أنّ سيناريو “الحرب المفتوحة” عاد ليُطرَح في التداول في الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع حراك دبلوماسيّ نَشِط يسعى لـ”تفادي” هذا الاحتمال.
 
 

ولعلّ الفاتورة “الثقيلة” التي يتكبّدها الجانبان على “الجبهة” في الجنوب، سواء “حزب الله” الذي يتصاعد عدد شهدائه بشكل ملحوظ بين يوم وآخر، أو إسرائيل التي تعاني ما تعانيه اقتصاديًا، والتي لا تزال مستوطناتها الشمالية “فارغة” خشية من عمليات الحزب، يصبح السؤال أكثر من مشروع: هل ارتفعت احتمالات الحرب في لبنان بعد انخفاضها في المرحلة الأولى؟ وهل يتحضّر اللبنانيون فعليًا لمثل هذا السيناريو؟
 
نقاش “ساخن”
 
يقول العارفون إنّ نقاشًا “ساخنًا”حول احتمالات انزلاق لبنان إلى الحرب يبدو أكثر من جدّي في هذه المرحلة، وقد دخل على خطه الحراك الدبلوماسي النشِط الذي تشهده المنطقة، حيث عاد القرار الدولي 1701 مثلاً ليتصدّر تصريحات المسؤولين الغربيين، الذين يبدو أنّ لديهم خشية حقيقية من إمكانية أن يتكرّر “سيناريو” غزة في لبنان، وأن تذهب البلاد إلى حرب جديدة، كتلك التي عرفها في صيف العام 2006.
 
ولعلّ خطاب “التهديد والوعيد” الإسرائيلي الذي يتكرّر منذ أيام على لسان العديد من المسؤولين الإسرائيليين، الذين يلوّح بعضهم بـ”تحويل بيروت إلى غزة”، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرّة، يعزّز هذه الأجواء “المتشنّجة”، وسط تساؤلات عمّا إذا كان من الممكن أن تستمرّ الاشتباكات الحدودية على وتيرتها الحاليّة، وعن “أفق” هذه المواجهات، التي باتت تكلّف الطرفين ثمنًا غير بسيط.
 

 
وتأتي التطورات الميدانية في الأيام القليلة الماضية لتؤكد هذا المنحى، فعمليات “حزب الله” تأخذ بعدًا أكثر دقّة، خصوصًا بعد استهداف منصّات القبة الحديدية الإسرائيلية، وقد باتت “نوعيّة” تغلب على “كمّها”، والقصف الإسرائيلي يتصاعد في المقابل، مع استهداف مواكب تشييع الشهداء، علمًا أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله كان قد أعلن منذ أسابيع طويلة أنّ الحزب “لن يكتفي” بما يحصل حاليًا في جنوب لبنان.
 
الحرب “غير محسومة”
 
على الرغم من كلّ ما سبق، يؤكد العارفون أنّ كلّ التصعيد الحاصل حاليًا على “الجبهة اللبنانية” لا يعني أنّ سيناريو “الحرب” قد حُسِم، فهذا السيناريو حتى لو ارتفعت أسهمه، يبقى مؤجَّلاً برأي هؤلاء، للأسباب والاعتبارات نفسها التي منعته في المقام الأول، وهي عدم رغبة الطرف الإسرائيلي أساسًا بالدخول في حرب أخرى توازيًا مع حربه في غزة، فضلاً عن الكلفة العالية التي ما عاد قادرًا على تحمّل تداعياته على الداخل.
 
وقد يكون اقتصار التهديدات الإسرائيلية على الكلام حتى الآن، متناغمًا مع هذا الاعتقاد، حيث يسود انطباع بأنّ الحراك الدبلوماسي النشِط القائم حاليًا يأتي بناءً على رغبة إسرائيل بالدرجة الأولى، إذ يريد الإسرائيليون أنّ يحلّوا الإشكالية القائمة حول القرار 1701 بالدبلوماسية، ولا سيما لجهة انسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى شمال الليطاني، لا بالنار والعسكر، ولذلك فإنّ الوعيد يأتي ليتكامل مع الاتصالات السياسية.
 

 
وفي حين يستكمل “حزب الله” القتال، على طريقته، غير آبهٍ بكلّ ما يُحكى ويُثار، حيث يقول العارفون بأدبيّاته، إنّه ليس معنيًا بتحقيق الرغبات الإسرائيلية، ولا بتغيير طبيعة القتال “على التوقيت الإسرائيلي”، مشدّدين على أنّ الحزب لا يريد حربًا مفتوحة، لكنّه جاهز ومتأهّب له إذا ما فُرِضت عليه، والأكيد أنّه لن يقبل في أيّ وقت أن يقدّم تنازلات تأخذ شكل “هدايا مجانية” لإسرائيل، التي تدرك أنّ الحرب في لبنان لن تكون “نزهة”.
 
يرى كثيرون أنّ عودة الحديث عن “الحرب في لبنان” في هذا التوقيت، ليس مؤشّرًا بالمُطلَق على أنّ “طبول” مثل هذه الحرب تُقرَع بالفعل، ولكنّه محاولة من إسرائيل لتعويض الفشل الذي تُمنى به على كلّ الجبهات، ولاستنفار الجهود الدولية من أجل تحقيق “إنجاز ما” بالدبلوماسية، بما يسمح لها على الأقل بـ”طمأنة” سكان المستوطنات الشمالية للخروج من الملاجئ وبالحدّ الأدنى، وهنا بيت القصيد!
 

Exit mobile version