المسألة الأهمّ التي ضمنها قائد الجيش العماد جوزاف عون، بعد إقرار قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية عبر مجلس النواب، أنه أبقى نفسه مطروحاً كمرشّح رئاسي. المعركة التي قادها خصومه ضده تحت شعار “تشحيل” الأصوات الداعمة لقانون التمديد كبابٍ لإنهاء حظوظه الرئاسية إنتهت إلى تثبيته رقماً. هنا تحديداً، يصبح النقاش في الرقم الحقيقي الذي ناله عون عقيماً أمام طبيعة الكتلة التي تدعمه، وحقيقة أنه كُرّس عضواً في النادي السياسي! الآن، وفي ضوء ما تقدّم، بات التركيز ينسحب في اتجاهين: الأول تأكيد تثبيت معادلة مفادها أن عون مرشحٌ أساسي إلى جانب مرشّحٍ أساسي آخر هو سليمان فرنجية. الثاني يبقى في كيفية تحرير مسار الترشيح من ضمنه حركة عون نفسه، والأهمّ تهيئة الأرضية، بمعنى الإنتقال من وضعية المواجهة في قيادة الجيش إلى وضعية التهدئة. في هذا الصدد، سيكون عنوان المرحلة المقبلة كيفية إخراج موضوع تعيين رئيس الأركان من وضعية التعطيل، كفعلٍ يُنظر إليه على أنه سيُسهم في إراحة قائد الجيش خلال الفترة المقبلة، بينما ينظر الفريق الخصم إلى الإستمرار في تعطيل التعيين على أنه يخلق جدلية، ويؤدي إلى الإبقاء على الملف معطلاً إلى تطويق القائد وإبقائه أسير اليرزة، دون أن يتمكن من تلبية زيارات خارجية، في منظور البعض هي كناية عن زيارات بمفعول سياسي ـ رئاسي. في المسألة الباقية، يُسجّل لفريق “عون الإستشاري” بعيد تحقيق هدف التمديد، أنه ضبط الأمور داخلياً في المؤسسة العسكرية وخارجياً في الشارع. وباستثناء بعض الحالات الشاذة كافتعال بعض “زوجات المستشارين” من أصحاب الرؤوس الحامية جلبةً محدودة بفعل نشر بعض الصور الطائشة عبر مواقع التواصل، أوعزَ بعدم القيام بأي احتفالات قد تفهم بإطار “النكايات أو الزكزكة”. في النتائج الحالية، كلامٌ عن توجّه “فريق القائد” إلى جردة حساب لإحصاء النتائج التي ترتّبت عن “معركة التمديد”، مع الإقرار المُسبق أن “القائد” الذي خرج منتصراً، خلّفت عليه المعركة ندوباً غير سهلة. الأهمّ أن الفريق، اتخذَ قراراً مهماً له علاقة بترتيب المسرح، سواء الداخلي أو في ما يخصّ قيادة الجيش أو الجيش بشكل عام، وأنه أبعد عن نفسه فكرة التعامل بروحية إقصاء تجاه أي مكوّن معارض لجوزاف عون، والأهمّ أن بعض الشخصيات المؤثرة اللصيقة بقائد الجيش، فتحت الباب أمام ورشة تحسينات واسعة ستتمخّض عن قراءة شاملة لكامل المسار الذي اتّبع منذ حوالى عام تقريباً، وهو ما يُفهم أن عنوان “عام الخدمة الممددة” هو: تصحيح الخلل. هذا يعني أن “فريق القائد” الذي يعتبر نفسه رابحاً، يرى أن استراتيجيته التي اعتمدها لتأمين التمديد نجحت، وأنه استطاع التأثير في قوى أساسية، وأنه تمكن من سحب قوى أخرى إليه، وأنه مارسَ تأثيراً على أخرى، وبات يتملّك في السياسة كتلة وازنة، ما يعني أن قائد الجيش سيزيد من التزاماته تجاه فريقه ويعزِّز من انفتاحه على الآخرين، والأهمّ أنه سيجري خلال الفترة المقبلة تعديلات توصف بالإيجابية على هذا الفريق، من أجل الإستمرار في بناء السياسات وتحسينها، طالما أن الهدف القادم هو الوصول إلى رئاسة الجمهورية. لذلك، أخذ البعض يعتقد أن التمديد له مفعول سياسي أكثر منه عسكرياً، وأنه سيعود بأضرار على مؤسسة الجيش ككل، وهو ما لا يحسبه “فريق القائد” الذي يعتقد أن الإدارة خلال العام المقبل، لن تجعل من السباق على رئاسة الجمهورية مركزياً أو يحصل على حساب وضعية الجيش، إنما سيكون هناك توازن في التعاطي وإدارة هذا الملف تحديداً. ويبدو من السياق العام، أن “فريق القائد” سيعمل على الإنفتاح تجاه القوى والشخصيات، لا سيّما المعارضة. ولا بدّ أن دعوة قائد الجيش زعيم تيار “المردة” والمرشّح الرئاسي سليمان فرنجية إلى جلسة عائلية تخلّلها عشاء ينطلق من هذه الأسس. والأهمّ من كل ذلك، أن الهدوء الذي سيُسجّل على المقلب السياسي خلال المرحلة المقبلة، سيرفع من احتمالات العودة إلى بحث شؤون المؤسسة، وعلى رأس جدول الأعمال تعيين رئيسٍ للأركان والأعضاء في المواقع الشاغرة في المجلس العسكري، بهدف منح “الولاية الممدّدة” جرعة انطلاق تفسيراً للإيجابية السياسية. لكن ذلك لا يعني أن المواجهة السياسية بين قائد الجيش وخصومه، لا سيّما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ستهدأ. واقع الحال يشير إلى أن “التيار” ذاهب للإستشراس في المعركة، ولن يكون الطعن في قانون التمديد سوى نموذج من نماذج. في المقابل، سيرفع “التيار” قيمة مواجهته داخل المؤسسة العسكرية في خلال افتعال الجلبة بين الضباط، والإستمرار في المراكمة على صراع القائد ـ وزير الدفاع. وفي السياسة أيضاً، ثمة مجموعة تتحمّل المسؤولية عن النتيجة التي أفضى إليها التمديد، تبدأ بجبران باسيل ولا تنتهي بخصوم “القائد” في اليرزة. بسبب سياساته تجاه القائد واعتبار قضية التمديد بمثابة معركة حياة أو موت، ساهم باسيل في تحويل جوزاف عون في لحظة معينة إلى مركز استقطاب سياسي ـ مسيحي ـ ماروني ـ خارجي، وكتّل المسيحيين إلى جانب القائد، ورفع قيمة الخطاب الذي حاكى احتمالية سقوط الجيش في حال عدم التمديد لعون! وفي أسوأ النتائج، جعل من قائد الجيش الشخصية المسيحية رقم واحد متخطّياً سمير جعجع، حيث تحوّل هذا الأخير في لحظة خطأ سياسي كارثي إلى شريك فعلي لعون وعرّاب ترشيحه وأحد المرشّحين لقبض الأثمان وظهيراً سياسياً قوياً له، محاطاً ببكركي وبمشاركة خصوم آخرين بدءاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وصولاً إلى وليد حنبلاط وجزء أساسي من السنّة! |