تفاصيل “المرحلة الثالثة” من الحرب في غ.ز.ة
أثار إعلان الجيش الإسرائيلي عن دخوله المرحلة الثالثة من الحرب في غزة، التي تشمل شن هجمات جوية “دقيقة”، والقيام بعمليات خاطفة في القطاع، تساؤلات بشأن مدى نجاحه في تحقيق أهدافه، مع تجنب المزيد من الضغوط الدولية لوقف عملياته العسكرية بشكل تام إيذانًا بتنفيذ هدنة إنسانية طويلة.
ويعتقد محللون عسكريون، أن “الجيش الإسرائيلي سيواجه العديد من العقبات خلال المرحلة الراهنة من القتال، بالنظر لتنفيذ عناصر حماس العديد من العمليات ضد الجنود الإسرائيليين لمعرفتهم الأكبر بتضاريس القطاع”.
وقد شدد المحللون، على أنه “بدون القضاء على معظم القوة المقاتلة لحماس، لن تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المتمثلة في تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس، وتجريد غزة من السلاح، وإطلاق سراح الرهائن”.
وفي ظل الخسائر التي تتكبدها إسرائيل في العتاد العسكري والبشري، خلال توغلها البري بالمرحلتين الأولى والثانية، وعدم تحقيقها أهداف حربها المتمثلة في القضاء على حماس أو تحرير المختطفين، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن “المرحلة الثالثة قد تتنهي أواخر الشهر الجاري، لكن ربما تستمر طيلة عام 2024 إذا واجهت القوات تهديدات جديدة”.
وبدأ الجيش الإسرائيلي مرحلة جديدة أقل كثافة في حربه بغزة بعد أسابيع من الضغوط السياسية من الولايات المتحدة، وحلفاء آخرين لتقليص هجوم تسبب في دمار واسع النطاق، وأودى بحياة آلاف المدنيين.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، إنه “سيتم الانتقال إلى مرحلة أقل كثافة من العمليات في غزة”.
وأضاف هاغاري، لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن “الحرب دخلت مرحلة أخرى، لكن المرحلة الانتقالية لن تكون مصحوبة باحتفالات، إذ أنه خلال هذه المرحلة، سيتم نشر عدد أقل من القوات البرية وسيتم تنفيذ عدد أقل من الضربات الجوية”.
وأشار إلى أن “إسرائيل ستواصل تخفيض عدد قواتها في غزة، والذي بدأ في كانون الثاني الجاري، وأن الجيش انتقل في شمال القطاع من مناورات واسعة النطاق إلى الغارات المستهدفة، بيد أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه المرحلة الجديدة ستصبح أقل خطورة على سكان غزة”، وفق الصحيفة.
وفي ذات السياق، أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن “القوات الإسرائيلية ستتحول إلى ما سماه “مرحلة المناورة المكثفة في الحرب”، نحو “أنواع مختلفة من العمليات الخاصة”.
لكن غالانت حذر من أن “الفصل التالي من الصراع “سيستمر لفترة أطول”، وأن بلاده لن تتخلى عن أهدافها المتمثلة في تدمير حماس، “كقوة مقاتلة، وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، وتحرير الرهائن المتبقين”.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إنهم “يأملون في استكمال المرحلة الانتقالية بحلول نهاية كانون الثاني الجاري، لكن الجدول الزمني قد يتغير”.
جاء الإعلان الإسرائيلي في الوقت الذي كان متوقعًا أن يضغط وزير الخارجية الأميريكي أنتوني بلينكن على المسؤولين الإسرائيليين خلال زيارته لتل أبيب؛ لتقليص حملتهم في غزة ومنع توسيع دائرة الصراع في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما في أعقاب ضربة إسرائيلية الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.
وشدد بلينكن، عقب لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية، على “أهمية تجنب المزيد من الأذى للمدنيين وحماية البنية التحتية المدنية في غزة”.
تشمل تلك المرحلة شن غارات جوية دقيقة وتنفيذ عمليات خاطفة في غزة وعمليات اغتيال لقادة حماس، وفق القناة “12” العبرية، وموقع “واللا”، الذي أشار إلى أنها ستتضمن أيضا: “تنفيذ مداهمات موضعية عبر قوات بأحجام مختلفة ضد أهداف محددة مثلما حدث بمناطق بيت لاهيا والشجاعية والدرج والتفاح خلال الأيام الأخيرة”.
وأضاف الموقع، “عدم استبعاد العودة لاحقاً إلى قتال على نطاق أوسع مثلما حدث بالمرحلة الثانية التي اعتمدت على استخدام قوة كبيرة من حيث حجم الوحدات العسكرية وقوة النيران والقصف المكثّف”.
ولفت الى أن “الفرقة 98 ستواصل عملياتها في جنوب غزة عبر استخدام النيران المكثفة خصوصا في خانيونس”.
كما أشار الموقع الى “تغيير شكل القتال في الشمال وتحريك القوات والحيلولة دون كشفها أو إبقائها في مكان ثابت يسهّل استهدافها”.
وتابع، “إسرائيل لم تقرر ما ستفعله في رفح ومحور فيلادلفيا لأنها هذه المنطقة حساسة تتطلب تنسيقاً مع مصر والولايات المتحدة”.
ورأى الموقع، أن “تسريح عدد من قوات الاحتياط خلال الأيام المقبلة كجزء من خفض عدد الجنود من أجل إراحتهم للحاجة لهم مجدداً على مدار العام”.
وأضاف، “الجيش أقام محطات رقابة وحواجز عسكرية تعمل على منع عودة الغزاويين الذين هجروا الشمال إلى الجنوب، ويريدون العودة إلى بيوتهم وأراضيهم”.
وتتولى الفرقة 99 المسؤولة عن تقسيم قطاع غزة، مهام منع الفلسطينيين من التوجه من الجنوب للشمال.
وفي رأي الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، فإن “الرسائل الإسرائيلية الأخيرة حول الانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال في غزة تتماشى مع الضغط الأميركي للتركيز بالكامل على قيادة حماس وتجنب استهداف المدنيين، إلا أن ذلك ينطوي على العديد من العقبات التي تجعل هذا التحول يبدو أمرًا مؤقتًا أو جزئياً”.
وأوضحت “تسوكرمان”، أنه “على الرغم من أن إسرائيل أعلنت تفكيك البنية التحتية لحماس في شمال غزة، إلا أن المعارك في الجنوب لا تزال مستعرة، حيث قتلت العشرات من مقاتلي حماس اليوم، بينما تكبدت أيضا خسائر جزئيا بسبب “النيران الصديقة” وهجوم عناصر حماس”.
وقالت الخبيرة الأميركية، إن “إرسال فرق صغيرة من الجنود إلى أرض معركة مثل غزة يشبه الكارثة، لأن هذه المجموعات الصغيرة هي أهداف سهلة للكمائن، كما حدث بالفعل في مناسبات متعددة خلال قتال الجيش الإسرائيلي، وعلاوة على ذلك، يمكن القول إنه في بيئة تتمتع فيها حماس بميزة التضاريس، فإن وجود مجموعات صغيرة يشبه إشارة لحماس بأن معظم عملياتها لا يمكن استهدافها لوجستياً”.
وأشارت تسوكرمان، إلى أن هناك “رسائل مختلطة” من الحكومة الإسرائيلية، حيث تزعم بعض الأصوات أن الحرب في غزة قد تستمر لمدة عام، بينما يدعي آخرون أنها ستنتهي قريبا وأن حماس على وشك التفاوض بشأن الرهائن، وهذا يشير إلى أن إسرائيل ربما لا تتفق داخليا على أهدافها الاستراتيجية، أو تتعمد إخفاء خططها لتخفيف الضغط الدولي”.
وأضافت، “ما هو واضح هو أن إسقاط عدة آلاف من مقاتلي حماس المتبقين سيتطلب زيادة كبيرة بدلا من الانسحاب وتقليل الأعداد، لكن إسرائيل تشعر بشكل متزايد بتصعيد في مناطق أخرى قد تحتاج فيها إلى إعادة توجيه مواردها، مثل التركيز على إخراج قيادة حماس خارج غزة، والتعامل مع حزب الله”.
لكن قد يكون بإمكان إسرائيل إبقاء القتال في كثافة منخفضة نسبيا مع التركيز على أهداف أخرى خارج غزة حتى الانتخابات الأميركية، وفق تسوكرمان التي أكدت أنه “إذا عاد الجمهوري (ترامب) إلى البيت الأبيض، فقد يتغير الوضع برمته”.
بدوره، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، إنه “في شمال غزة، سينتقل الجيش الإسرائيلي إلى حملة أكثر تركيزاً على أهدافه العسكرية، مع تسيير دوريات من قاعدة على الشاطئ في منطقة الشمالي الغربي من القطاع”.
كما تنتقل العمليات القتالية الرئيسية جنوبا من خان يونس باتجاه رفح، مما قد يعقد إيصال المساعدات عبر بوابة رفح، بحسب ملروي الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).
وبشأن مدى نجاح إسرائيل في خطتها الجديدة، أضاف، “أعتقد أنهم سينجحون نسبياً، ليس من الممكن تدمير حماس، لأنها أيديولوجية، لكن من الممكن تدمير قدراتهم العسكرية وهذا هو هدفهم الرئيسي”.
ويقول الخبير العسكري الفلسطيني واصف عريقات، إن “إعلان الجيش الإسرائيلي “المرحلة الثالثة” فشل واضح ودليل انسحاب من ساحة المعركة وليس إكمال الحرب”، مشيرا إلى أن “القرار أحدث شرخا وخلافات عميقة داخل مجلس الحرب الإسرائيلي”.
وحدد عريقات تبعات هذا القرار في عدد من النقاط قائلاً: “إسرائيل فشلت فشلا ذريعا في تحرير رهينة واحدة كما فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب سواء القضاء على حماس أو تحرير المحتجزين، ومسألة المرحلة الثالثة هي تسويق بائس لإرضاء الرأي العام الداخلي عن تحقيق انتصار وهمي في غزة”.
وأردف عريقات، “إسرائيل فشلت بمراحل القتال المختلفة ولم تنجح إلا في ارتكاب إبادة جماعية بحق المدنيين العزل وهدم 80% من مباني غزة والخسائر التي تتكبدها يوميا خير دليل على الهزيمة”.
ولفت الى أن “المرحلة الثالثة هي انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي من غزة ، والشارع الإسرائيلي فهم أنها كذلك، ومجلس الحرب تضربه الخلافات حول الخطط الجديدة”.
وأضاف عريقات، أن “خطة المرحلة الثالثة الإسرائيلية التي تتضمن تقليص العمليات العسكرية وتنفيذ توغل وهجمات في نقاط محددة ومن ثم الانسحاب منها، كذلك تنفيذ عمليات اغتيال محكموم عليها بالفشل هي الأخري في ظل صمود الفصائل الفلسطينية ومطاردتها للجيش الإسرائيلي في الشوارع والطرقات بغزة”.
وتابع، “الخطة هي مطلب أميركي وإسرائيل مجبرة على القبول بها لتخفيف حجم خسائرها التي تعرضت لها داخل عمق المدن الفلسطينية خصوصا بشمال غزة الذي لا يزال يقاوم رغم ما يسوقه الجيش من ادعاءات حول السيطرة عليه”.
وختم عريقات: “نجاح المرحلة الثالثة مرهون بقدرة الجيش الإسرائيلي في ظل خسائره على الصمود وكذلك برد فعل المقاومة الفلسطينية”.