في السنتين الأوليين من الأزمة، انخفضت كتلة الودائع المدولرة بنحو ٣٠ مليار دولار، وبعد ذلك بدأت نسبة الانخفاض تتراجع حتى أصبحت شبه معدومة، أما سبب الانخفاض الكبير فيعود قسم منه إلى تسديد القروض المصرفية من الودائع، وقسم آخر يعود إلى التحويلات الى الخارج والسحوبات، لاسيّما تلك الناجمة عن التعميمين ١٥٨ و١٥١، إلاّ أن نسبة السحوبات المتعلقة بالتعميم ١٥١ انخفضت بشكلٍ كبير في السنتين الأخيرتين، بسبب ارتفاع الدولار في السوق الموازية وخسارة المودع نحو ٨٥٪ من الأموال المسحوبة على أساس هذا التعميم، ما اضطر معظم المودعين إلى التوقف عن السحوبات
من نافل القول إنّه كلّما انحفضت كتلة الودائع اقتربت الأزمة المصرفية من الحل، لكن تخفيض هذه الودائع بطريقة قسرية أي على حساب المودعين من دون اختيارهم، مهما كانت أوضاعهم، كباراً كانوا أو متوسطين أو صغاراً، سيؤدي إلى فقدان الثقة بالدولة والقطاع المصرفي نهائياً، وبالتالي إحجام المستثمرين مسقبلاً عن إيداع أموالهم في هذا القطاع، فالعاقل لا يلدغ من الجحر مرتين.
صحيح أن التعميم ١٥٨ حالياً لا يلحق أيّ خسارة بالمودعين، وأنه من المرتقب أن يعدل التعميم ١٥١ بحيث يتم السحب على سعر منصّة بلومبرغ أو سعر يفوق السعر الحالي، لكن الرهان على تسديد الودائع كلّها من خلال هذين التعميمين فقط، سوف يستغرق عشرات السنين وقد تصل الفترة إلى ٦٠ سنة، إذا لم تأت موارد جديدة للمصرف المركزي والدولة تمكّنهما من تسديد ما يترتب عليهما من ديون للمصارف، لذا لابدّ من ابتداع أفكار جديدة تؤدّي إلى تخفيض كتلة الودائع بغية احتوائها تدريجياً.
بمعزل عن مشاريع قوانين إعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي والكابيتال كونترول المرتقبة، تطرح فكرة السماح للمصرف المركزي والمصارف بشراء قسم من أموال المودعين بنسبة معينة من قيمتها الحقيقية تقارب ال٢٥٪، على أن تكون اختيارية للمودعين، وذلك بموازاة الاستمرار في تنفيذ التعميمين ١٥٨ و١٥١ بصورة عادلة.
أهمية هذه الفكرة تكمن في أنّها اختيارية أي تحتاج إلى موافقة المصارف والمصرف المركزي والمودعين معاً، وأنّها كفيلة بتخفيض كتلة الودائع بشكل ملموس خلال عدّة سنوات، فهناك الكثير من كبار المودعين وحتى من متوسطيهم مستعدين للتخلص من قسمٍ من ودائعهم اختيارياً مقابل أموال سائلة ولو بخسارة كبيرة.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة التلازم بين حجم كتلة الودائع في المصارف وديون المصارف للمصرف المركزي ،أي أنّه كلّما انخفضت قيمة الودائع في مصرف ما، يجب في المقابل أن ينخفض تلقائياً دين هذا المصرف للمصرف المركزي وبالقيمة نفسها والعكس صحيح. ولتوضيح هذا الأمر من حيث الأرقام، لنفترض أن المصرف المركزي استطاع سنوياً جمع ١،٥ مليار دولار، ،فإنه في هذه الأموال يستطيع إيفاء ٦ مليارات دولار من ديونه سنوياً وفق النسبة المذكورة أعلاه، وفي المقابل سينخفض حجم الودائع المصرفية بالقيمة نفسها، وفي غضون ١٠ سنوات ستتراجع قيمة هذه الودائع إلى ٣٠ مليار دولار، ما يسهّل عملية السيطرة على الأزمة، وبالتالي إعادة الأموال لصغار المودعين ومتوسطيهم بصورة شبه كاملة.
بقلم العميد المتقاعد دانيال الحداد