بعيداً عن الشعبوية التي يمارسها بعض نواب كسروان وجبيل في الإيحاء بخوفهم على مصالح المواطنين حتى على حساب القانون، وترحيبهم بفتح الدوائر العقارية مع الطاقم القديم الذي عاث فيها فساداً ووصلت روائح إلى كافة أنوف اللبنانيين في الداخل والخارج, فإن أمر فتح هذه الدوائر تحمل إلتباسات بالتوقيت والمضمون.
وبالأمس إكتملت فصول القفز على القانون مع قيام رئيس مصلحة الديوان بالتكليف في وزارة المالية طارق رياض فواز بإصدار مذكرة إدارية حملت الرقم 1/2024 طلب فيها إلى الموظفين العاملين في أمانات السجل العقاري في محافظة جبل لبنان الحضور إلى مراكز عملهم إبتداءً من تاريخه تحت طائلة تطبيق أحكام المادة 65 من المرسوم الإشتراعي رقم 112/59 والتي تعتبر الموظف مستقيلاً حكماً في حال إنقطاعه عن عمله بدون إجازة قانونية وعدم إستئناف عمله خلال 15 يوماً من تاريخ انقطاعه.
هذه المذكرة كانت لتكون في محلها لو كانت الأمور طبيعية ولا تتعلّق بتهم فساد لهؤلاء الموظفين والذي سبق للمحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان سامر ليشع أن أصدر قراراً طلب فيه من مدير الشؤون العقارية إتخاذ المقتضى في تنفيذ القرار الذي شمل 69 موظفاً في الدوائر العقارية الذين تواروا عن الأنظار طيلة فترة التحقيقات تفادياً من أن يتم التحقيق معهم وذلك دون حضورهم إلى وظائفهم وقد تمّ تعميم بلاغات بحث وتحري بحقهم لمدة شهر ولم تعد سارية حالياً.
وأشار إلى أنه تبيّن أيضاً أنهم لا يزالون متمنّعين عن الحضور إلى وظائفهم لغاية تاريخه أي في 20 تموز الماضي.
وذكّر مدير الشؤون العقارية بالفقرة ب من البند 1 من المادة 65 من المرسوم الإشتراعي 112 الصادر في 12/6/1959 والتي تنصّ على أن الموظف يعتبر مستقيلاً في حال إنقطاعه عن عمله بدون إجازة قانونية ولم يستأنف عمله خلال 15 يوماً من تاريخ انقطاعه.
هذا القرار الصاد في تموز الماضي لم يلتفت إليه فوّاز أو المسؤولين في وزارة المالية واعتبار من شملهم القرار موظفين مستقيلين بل ذهب هؤلاء لتوسّل الفاسدين المتوارين عن الأنظار للعودة إلى عملهم من جديد وكأن شيئاً لم يكن متجاهلاً ما صدر عن مجلس الخدمة المدنية في هذا الإطار الذي حسم الجدل بعد قانونية عودة هؤلاء بدون تسوية أوضاعهم قانونياً.
وخالفت مذكّرة فوّاز القرار الصادر عن مجلس الوزراء في 8 آب 2020 عندما قرر وضع جميع الموظفين من الفئة الأولى والذين تقرر أو سيتقرر توقيفهم بتصرّف رئيس مجلس الوزراء بعد إعفائهم من مهام وظائفهم وتكليف الوزراء القيام بإجراء مماثل مع جميع الموظفين التابعين لإداراتهم ما دون الفئة الأولى.
وليس المستغرب دعوة فوّاز الموظفين وقفزه فوق القوانين والقرارات الرسمية فقد سبقه إلى هذه الدعوة رئيس الدوائر العقارية مدير عام المالية بالإنابة جورج معراوي، لا بل أن وزير المالية يوسف الخليل ذهب أبعد من ذلك وطرح هذا الموضوع أمام مجلس الوزراء الذي رفض عودة من توارى عن الأنظار بعد استطلاع رأي مجلس الخدمة المدنية.
ولكن الأشد غرابة ترحيب عدد من النواب بإعادة فتح الدوائر العقارية على “جثة” استباحة القوانين وتطبيقه استنسابياً، بدل الذهاب للبحث عن بدائل للفاسدين لا سيّما أن الدوائر الرسمية متخمة بفائض الموظفين يمكن انتدابهم للحلول مكان هؤلاء.
وإذا كانت عودة الدوائر إلى العمل أمراً ملحّاً نظراً للخسائر التي تضرب الخزينة فإن هذه المذكرة التي هلّل لها النواب لا تعني أن الدوائر ستعود إلى العمل في وقت قريب لأن هذه الوعود تكرّرت أكثر من عشرات المرات ولكن بقي الوضع على حاله.
لكن الأحجية هي في عجز دولة بأمها وأبيها عن تأمين البدائل لهؤلاء إما بالإنتداب أو حتى بالتعاقد، فهل هو فعل عجز أم لغاية في نفس يعقوب للحفاظ على حاشية المسؤولين في الإدارات الرسمية؟.