هكذا صارت سوريا بلداً يقصفه “الجميع

“درج”: كارمن كريم – صحفية سورية

ساهمت حرب إسرائيل على غزة الجارية منذ ثلاثة أشهر، في زيادة الضربات الإسرائيلية على نقاط إيرانية في سوريا. في الوقت ذاته، ارتفعت وتيرة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، ما دفع الأخير الى شنّ ضربات جوية ضد نقاط داخل سوريا.

باتت سوريا بلداً يقصفه الجميع بذرائع وأسباب مختلفة. وأخيراً، تعرضت قواعد ينتشر فيها الجيش الأميركي في منطقة التنف والمالكية والشدادي السورية، لهجمات بطائرات مسيرة مجهولة المصدر. في المقابل، نفذت آليات يُعتقد أنها أميركية، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، ضربات جوية على نقاط توجد فيها مجموعات مدعومة من إيران في مدينة دير الزور.

منذ بداية العام، لم تهدأ الهجمات على سوريا، إذ تستمر تركيا بقصف البنية التحتية والمرافق الخدمية والمنشآت الصناعية في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا. وفي 14 كانون الثاني/ يناير، استهدفت تركيا للمرة الأولى، مواقع للنظام السوري في مدينة القامشلي ومحيطها، ما أسفر عن وقوع قتلى. وفي الخامس من هذا الشهر أيضاً، استهدف الطيران الحربي الأردني أهدافاً مرتبطة بتجارة المخدرات في جنوب سوريا.

إسرائيل وأميركا أيضاً تقصفان بشكل متكرر، مواقع وأهدافاً مرتبطة بإيران و”حزب الله” والنظام السوري.

هذا القصف بأشكاله المختلفة، هو جزء من حروب متعددة تتم وتدار في سوريا وتتورط فيها دول وجهات محلية ودولية. الثابت في خريطة الاستهداف العسكري داخل الأرض السورية، هو تدخلات ونفوذ لكل من إيران وإسرائيل والأردن وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. 

هذه الوقائع المتشابكة تجعل من سوريا بلداً مشرعاً ومستباحاً من دون أفق واضح لأي حل أو بسط سيادة كما في أي دولة.

ضوء أخضر لقصف سوريا

ساهمت حرب إسرائيل على غزة الجارية منذ ثلاثة أشهر، في زيادة الضربات الإسرائيلية على نقاط إيرانية في سوريا. في الوقت ذاته، ارتفعت وتيرة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، ما دفع الأخير الى شنّ ضربات جوية ضد نقاط داخل سوريا.

على الجانب الآخر، يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجد في انشغال العالم بحرب غزة فرصة للعودة الى الساحة مجدداً، وبطبيعة الحال ستكون لسوريا حصة الأسد من هجماته، بالإضافة إلى الهجمات التركية على “وحدات حماية الشعب” الكردية. وهكذا يمكن القول إن هذه هي المحاور الأربعة الأساسية للضربات اليوم في سوريا، لكن القائمة تطول بالطبع، فالجميع ينتظر دوره للقصف على سوريا أو التدخّل في شؤونها.

الضربات المتنوّعة على سوريا تشي بأن العالم ليس مستعداً لمواجهة مباشرة أو لحرب إقليمية، لذلك اختار سوريا كساحة بديلة، ضعيفة، لن تردّ حكومتها على أي ضربات ولن تستطيع المواجهة، وستكتفي بالتوعد بالرد في “الوقت المناسب”، وهو الرد الوحيد منذ 13 عاماً.

أحد أسباب الفوضى في سوريا، أن الأخيرة أصبحت ساحة حرب بالوكالة لقوى دولية، فروسيا تدعم بشار الأسد لأنها بسقوطه ستفقد موطئ قدم في الشرق الأوسط. من جهة أخرى، يعتبر الأسد حليفاً قديماً لإيران، التي تريد الحدّ من نفوذ عدوّتها السعودية، وفي الوقت ذاته توسيع نفوذها في المنطقة. أما إسرائيل، فمشكلتها مع الأسلحة التي تصل إلى “حزب الله” اللبناني في سوريا، لذلك تقصف مواقع في سوريا تقول إنها لعناصر “حزب الله”.

لكن، لم تكن دولة بعد أخرى لتتجرأ على قصف سوريا لو أن الأسد لم يتمسك بكرسيه على حساب البلاد وحريتها، ولو لم يضع سلطته أمام أي اعتبار آخر، مفسحاً المجال لحلفائه وخصومهم على حد سواء لوضع أيديهم على البلاد.

سماح الأسد بكل هذه التدخلات وجرأة التدخل الغربي والتركي في سوريا، منحا الأردن الضوء الأخضر ليقصف أهدافاً داخل سوريا، بالإضافة إلى عدم جدّية النظام السوري في ما يتعلق بسياسته الخارجية والداخلية.

ساحة حرب قديمة – حديثة 

لا شك في أن سوريا تعدّ من أبرز الأمثلة على فوضى الحروب بالوكالة في العصر الحديث، إلى جانب اليمن والعراق. إلا أنه في سوريا، يصبح المشهد أكثر تعقيداً، وتضيف كل أزمة في المنطقة أو العالم ضربة أو صراعاً جديداً الى البلاد المنهكة. وحتى حين يخرج طرف أو يقلّص من وجوده في سوريا يعود مجدداً أو يرسل وكيلاً عنه. على سبيل المثال، على رغم انسحاب أميركا من سوريا نهاية 2019، إلا أنها عادت إليها مجدداً لتعزيز وجودها، فبحسب تقرير نشرته صحيفة “فزغلياد” منتصف العام الفائت، فإن الولايات المتحدة نقلت معدات عسكرية ولوجستية كانت موجودة داخل العراق إلى قواعدها في سوريا. ووفق مصادر الصحيفة، فقد ارتفع عدد الجنود الأميركيين في سوريا من 500 إلى 1500 جندي. في كل الأحوال، كان انسحاب أميركا آنذاك مرتبطاً بالانتخابات الرئاسية.

من جهة أخرى، تصاعدت منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتيرة الهجمات الأميركية ضد منشآت ونقاط في سوريا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وجماعات تدعمه. وبحسب ما قالت وزارة الدفاع الأميركية، تأتي ضرباتها رداً على سلسلة من الهجمات ضد القوات الأميركية في كل من العراق وسوريا. وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر للصحافيين، إنه منذ 17 تشرين الأول، “هوجمت القوات الأميركية وقوات التحالف 12 مرة في العراق وأربع مرات في سوريا”، موضحاً أن هذه الهجمات نُفذت بطائرات مسيرة وصواريخ.

بدأت الولايات المتحدة بشنّ ضرباتها في سوريا في 23 أيلول/ سبتمبر 2014 بمساعدة حلفائها، ثم نشرت واشنطن 2000 جندي في سوريا، معظمهم من القوات الخاصة. منذ ذلك الحين، غدت سوريا ساحة لحروب أميركا في المنطقة، ابتداء من ضرب “داعش”، وصولاً إلى تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” التي تلقت مساعدات من الولايات المتحدة على شكل أسلحة ودعم جوي.

تسلمت “قوات سوريا الديمقراطية” مهمة القضاء على “داعش” بدعم أميركي، وشكّلت في الوقت ذاته أداة ضغط أميركية على الجارة التركية التي وقفت في وجه أميركا عبر توجيه ضربات إلى هذه القوات، وأخيراً مناوشاتها الأخيرة مع إيران في الأراضي السورية.

 تهريب مخدرات وأسلحة 

أمام المشهد المعقّد للضربات على سوريا، يدخل الأردن فيها بثقة، بخاصة بعد تورط جماعات من الإخوان في عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات من سوريا عبر الأردن إلى إسرائيل. فيغدو تهريب المخدرات لاعباً جديداً ومحورياً، فالأردن غارق بمخدرات الأسد (كبتاغون وحشيش) وإسرائيل متخوفة من وضع حدودها مع الأردن.

تُظْهِر ضربات الأردن على سوريا عدم الثقة بهذا النظام أو بوعوده، وهي تفعل ما لا يريد نظام الأسد فعله، أي محاربة تجار المخدرات وتهريبها، وهذا يعني بطبيعة الحال أن أي دولة أخرى يمكن أن تدخل على خط القصف بحجة محاربة المخدرات أو الجماعات الإرهابية كما فعلت تركيا وقوات التحالف. إذا، فالأسد يمنح العالم سبباً إضافياً لقصف سوريا.

هذه المؤشرات كلها تدلّ على أن حالة الاستقرار النسبية التي عاشتها سوريا في السنوات الأخيرة لن تستمر على هذا النحو، وأن الحرب الدموية على غزة ستنعكس على الوضع في سوريا، إذ ستستمر في كونها البلد الذي يقصفه “الجميع”، بخاصة في مرحلة المراوحة في المكان، حيث جميع الأطراف تتقدم خطوة نحو الحرب ثم تتراجع أخرى. بمعنى آخر، كل يوم تؤجَّل فيه حرب إقليمية وتفشل الأطراف في الوصول إلى حلول سياسية، يعني ضربة جديدة على سوريا.

Exit mobile version