لم أنم هذه الليلة وأنا أفكّر في موضوع أكتب عنه اليوم. إلّا أنّني لم أستغرب قلقي. فالعيش في منطقة صراعات يتحكّم بسياساتها المجانين، فكرة مثيرة للقلق. وهي ليست بالسهلة. لكنّها على الأقلّ، تجعلك تتساءل: هل القدرة على مقاومة الأحداث الصعبة قوّة خارقة يكتسبها الإنسان من ظروف عيشه؟ أم أنّها موجودة أصلاً في جيناته؟ ربّما رأفةً به من السماء، فهي الأوْلى بحمايته من الديمقراطيّات الفاشلة.
يتعرّض الإنسان للكثير من الأحداث المؤلمة في حياته. وربّما تكون الحروب أسوأها وأكثرها جماعيّة. إلّا أنّ كلّ فرد يتعامل مع المأساة بطريقته الخاصّة. ويعود سبب ذلك، إلى مدى قدرته الشخصيّة على الصمود في وجه الأزمات.
وتشير الأخصّائيّة في علم النفس ريتا الأسمر إلى أنّه “يمكن للشعوب أن تتوارث القدرة على التأقلم والمقاومة جينيّاً. والشعب اللّبناني أكبر دليل على ذلك. فالحياة لا تضع أمامه سوى خيار واحد، وهو تخطّي الأزمة الحاليّة لاستقبال الأخرى. وكأنّ قدره يقتصر على تحمّل أعباء سياسييه وفشلهم. لا وقت لديه للتركيز على حياته وأخطائه الخاصّة، وهذا ما يؤذيه فعلاً. فالصمود أمام الأزمات الخارجيّة، لن تترك للفرد مجالاً للتعامل مع مشاكله الشخصيّة”.
إجتماعيّاً، تؤكّد الأسمر، لموقع mtv، أنّ “البيئة الحاضنة للطفل منذ صغره تلعب دوراً أساسيّاً أيضاً، يمكن أن يضاف إلى تركيبته الجينيّة. فمن المهمّ، كأخصّائيّين، أن نركّز على كيفيّة تعامل أهل الطفل مع الأزمات التي يواجهونها أمامه. فحين يكون الإكتئاب أو الإنهيار ردّة الفعل الأولى للأهل تصدّياً لمشكلاتهم، حتماً ستكون آليّة الدفاع التي يكوّنها الطفل لاحقاً مماثلة. فالبيئة المتوازنة يمكن أن تخلق ردّات فعل متوازنة أكثر من غيرها، والعكس صحيح”.
نتيجةً لذلك، تعرض الأسمر الخطوات التي يستخدمها الأخصّائيون عادةً لمساعدة مرضاهم، وأبرزها “معالجة الحاضر من خلال تغيير الآلات الدفاعيّة للشخص وتقوية ثقته بنفسه. فبذلك، سيتمكّن الفرد من الشفاء من ماضيه، وإحاطة نفسه بالثقة التي تساعده على مواجهة أزماته المستقبليّة بشكل أفضل”.
في بلدٍ مثل لبنان، لا تختلف السياسة كثيراً عن القدر. لا بل تكون هي القدر نفسه، فتختارنا قبل أن نختارها. تماماً مثلما تختارنا الجغرافيا، فتلقي بحروبها على شعوب طمحت بالصمود أمام أحلامها الخاصّة، لا أمام مصالح مجانينها واستغلالهم.
ماري جو متى – موقع mtv