على جري عادته في كل جلسة عامة لمجلس النواب، يحاول الرئيس نبيه بري أن يمرّر أكثر من رسالة وبطريقة محبّبة لا تخلو من الطرافة. ولكن ما حاول تمريره هذه المرّة، ولأكثر من مرّة متتالية، في كل مرّة كان النواب يتطرقون في كلماتهم إلى ضرورة الدعوة إلى جلسة نيابية قريبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مختلف تمامًا عن التمريرات – الرسائل السابقة، وذلك عندما تقصّد تكرار التلميح إلى أن عملية الانتخاب ستتمّ قريبًا، من دون أن ينسى أن يكرر “إن شاء الله”، خصوصًا أنه صاحب القول المأثور “ما تقول فول حتى يصير بالمكيول”. ولكن يبدو أن “الفول الرئاسي” سيصبح هذه المرّة في مكيول مجلس النواب المنكّب حاليًا على إقرار موازنة العام 2024.
فما يخفيه الرئيس بري من معلومات ومؤشرات سيبقى سرًّا إلى أن يحين وقت الكشف عنه، وهو موعد لم يعد بعيدًا، وفق ما استشفه أكثر من مراقب لحركة الاتصالات الجارية في كواليس “اللجنة الخماسية”، وبالتالي لا يمكن الفصل بين هذه التلميحات ومضمون اللقاءين اللذين عُقدا في “عين التينة” مع كل من سفيري المملكة العربية السعودية وليد البخاري والمصري علاء موسى بعد تأجيل اللقاء بسفراء الدول الأعضاء في “الخماسية” لأسباب لها علاقة على الأرجح بآخر الاتصالات التي سيقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان قبل مجيئه إلى لبنان. ويُعتقد أن زيارته المقبلة لبيروت ستكون حاسمة هذه المرّة، سواء لجهة ما يكون قد تمّ التفاهم عليه داخل الأبواب المغلقة في الاجتماع المرتقب لـ “الخماسية”، أو لجهة تبليغ لبنان بأن “طبخة” التسوية الرئاسية قد نضجت، وهي الموضوعة على نار هادئة وخفيفة، بعد أن تكون فرنسا قد تمكّنت من اقناع الولايات المتحدة الأميركية بضرورة فصل موضوع الانتخابات الرئاسية عن الحرب الدائرة في غزة، والتي يتردّد صداها على طول الخط الأزرق في جنوب لبنان.
وعلى رغم عودة التصعيد الميداني اللافت في المواجهات على الحدود الجنوبية مقترنا بتصعيد مماثل في التهديدات الإسرائيلية لـ “حزب الله” ولبنان، كان التركيز المحلي على الاجتماع الأول من نوعه لسفراء الدول الخمس الأعضاء في “اللجنة الخماسية”، باعتبار أنه يشكل مبدئيًا حجر الزاوية في “اجندة” متقدمة لعمل اللجنة التي ستنعقد على مستوى ممثليها الأساسيين للاتفاق على مسار متجدد حيال لبنان.
وقد حضرت السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون اجتماع سفراء الدول الخمس للمرة الأولى. وكانت مناسبة للتعرف إليها عن قرب. ويأتي اجتماع السفراء، مع ما لمكان انعقاده (دارة السفير البخاري) من رمزية، بعد اللقاء الذي عقد بينه وبين السفير الإيراني مجتبى أماني بداية الأسبوع الجاري، على أن تلي اللقاء الخماسي جولة على المسؤولين الرسميين والقادة السياسيين ورؤساء الكتل النيابية لوضعهم في الخطوط الأساسية لتحرك المجموعة الخماسية، على ان تتحدد طبيعة تحرك “اللجنة الخماسية” في المرحلة التالية بعد اجتماعها المرتقب مطلع شباط المقبل وسط تأكيد الفصل بين الازمة الرئاسية ومجريات الأحداث الجارية في الجنوب اللبناني وغزة.
وقد يكون من بين أساسيات ما ذهب إليه الرئيس بري من تلميحات رئاسية ما تناهى إليه من جدّية المساعي، التي ستقوم بها “اللجنة الخماسية”، بعد تحميل اللبنانيين مسؤولية ملاقاتها إلى منتصف الطريق، بعدما تكوّن لدى أعضائها انطباع مؤكد بأن دور “الخماسية” لا يمكنه أن يحل بأي شكل من الأشكال مكان إرادة اللبنانيين التي لا بدّ من أن تنعكس في مجلس النواب.
لكن اجتماع اليرزة الخماسي لا يعني بالضرورة أن الأمور “سالكة وآمنة” بالمعنى الرئاسي، خصوصًا أن الأرضية اللبنانية لا تزال غير مهيأة لملاقاتها في حسم الخيارات، في ضوء استمرار تمسك كل طرف بمرشحه الأساسي. وهذا ما يمكن أن يعرقل بعض الشيء زخم التحرك الخارجي، من دون أن يعني ذلك أن كلمة السر لا تزال في جيب الرئيس بري، الذي سيحاول هذه المرّة أن يخرج من الجيب الآخر “الأرنب الرئاسي”.
بعض المراقبين وصفوا تحرّك “اللجنة الخماسية” بأنه “ميني دوحة” قد يعيد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان.
ليبانون فايلز