عزت ابو علي – LebanonOn
يعيش لبنان اليوم مرحلة انتقالية مع إقرار موازنته العامة للعام 2024 والتي تعد سابقة في توقيت إقرارها حيث غاب هذا الأمر عن البلاد لحوالي العقدين من الزمن.
ما كان جلياً عدم تضمين الموازنة كلفة خدمة الدين العام، حيث بلغت صفر في الموازنة، فالدولة توقفت عن السداد وعن دفع الفوائد منذ سنوات عدة حيت أعلن لبنان ولأوّل مرّة تخلّفه عن دفع ديونه، بعد أن علّق سداد سندات اليوروبوند والتي كانت تستحقّ في 9 آذار من العام 2020، لِتُعتبر الحكومة بتاريخ 16 آذار من العام نفسه، متعسّرة، بعد نهاية فترة السماح التي امتدت على مدى 7 أيام، وأدّى هذا التخلف عن سداد سلسلة سندات اليوروبوند إلى التخلف عن سداد كافة سندات اليوروبوند المستحقة والتي يبلغ مجموعها 33.5 مليار دولار أميركي، وكان يتوجب على الدولة اللبنانية تسديد 1.2 مليار دولار من سندات اليوروبوند، فيما يرزح لبنان تحت ديون تصل قيمتها إلى 92 مليار دولار؛ مما يشكل نحو 170% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب وكالة التصنيف الائتماني “ستاندر أند بورز”، وتعد هذه النسبة من بين الأعلى في العالم.
أغفلت الموازنة خدمة الدين للأرقام آنفة الذكر والتي كانت ستشكل حوالي 35 بالمئة منها، وهذا ما أدى إلى تقلّص نفقات الموازنة بنسبة كبيرة ولو أن النفقات الأخرى باتت تحتسب وفقاً لسعر الصرف الحالي.
أين اختفت الديون؟
يقول مصدر مطلع في وزارة المالية لـ LebanonOn إن انهيار سعر الصرف كان طوق نجاة للدولة لناحية تسديد الديون، جراء التفاوت الهائل في سعر الصرف، وتمَّت العملية من خلال بيع الدولار خلال الأزمة وبأسعار مرتفعة لتقوم بتسديد الجزء الأكبر من مديونيتها التي تُشكِّلُ الجزء الأكبر منها الليرة اللبنانية، وبحسب المصدر فإنه وقبل الإنهيار النقدي وصل الدين العام إلى حدود 98 مليار دولار، لكن هذا المبلغ يقسم إلى قسمين، فالجزء بالدولار يصل إلى 37 مليار، والقسم اللبناني يصل إلى 63 مليار دولار، وهي ديون بالليرة اللبنانيّة مقوّمة بالدولار، على سعر صرف 1500 ليرة، وهذا الجزء نجحت الدولة بتغطيته نتيجة الفروقات الهائلة في سعر الصرف وتمَّ سداده على أساس سعر الـ 1500 ليرة لكل دولار أميركي واحد.
ويكشف المصدر عن أن الديون المتبقية هي 37 مليار دولار يُضاف إليها مبلغ 3 مليار دولار وهي نسبة تضخم سندات اليوروبوند لتصبح مجمل الديون 40 مليار دولار لغاية اليوم.
ويلفت المصدر إلى أنه من الطبيعي أن تتم إعادة هيكلة الدين العام بالعملة الأجنبية، مع إجراء حسومات من قيمة السندات بعد التفاوض مع الدائنين، وفي حال تم فرض اقتطاع بنسبة 75% من قيمة سندات اليوروبوند وهو ما يُفترض أن تسعى إليه الحكومة، سيكون بالإمكان خفض قيمة الدين العام الإجمالي إلى أقل من نسبة 100 بالمئة من حجم الناتج المحلي، وبذلك، سيكون لبنان قد امتثل لمعايير صندوق النقد الدولي، الذي طالب خلال المفاوضات مع لبنان مراراً وتكراراً بإعادة هيكلة الديون لخفض نسبتها إلى أقل من 100% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي.
وعن حاجة الدولة إلى الاقتراض مجدداً يُشدِّد المصدر على أن الحكومة ليست بحاجة إلى ذلك، فودائعها لدى مصرف لبنان تفوق 175 تريليون ليرة موجودة في الحساب رقم 36 في مصرف لبنان، وهذه الأموال كفيلة بتغطية نفقاتها التشغيلية إذا ما استطاعت استخدام تلك الودائع التي يرفض مصرف لبنان التحويل منها الى الدولار بسبب تأثير ذلك على سعر الصرف في السوق، كما يراقب بصرامة الصرف الحكومي بالليرة وبتقطير أحياناً خوفاً أيضاً من زيادة الكتلة النقدية بالتداول وعودة التفلت إلى سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
في المحصلة، وبعد دراسة معمَّقة للواقع الاقتصادي والخدماتي الحالي، تخلص كل المعطيات إلى أن الاقتراض كان لأغراض استهلاكيّة وليس استثماريّة، فأين البنى التحتية “الكهرباء، المواصلات، الاتصالات، شبكات الطرق …”؟ ولو كانت هذه المديونية العالية لأجل الاستثمار، فحتماً إن عوائده كانت كفيلة بالسداد، وتحقيق فائض كبير، ولم يكن لبنان لِيَصلَ إلى ما هو عليه اليوم!.