بالتوازي مع حربها في غزة وجنوب لبنان تقوم إسرائيل بما لديها من وسائل تقنية متطورة بسلسلة من الخطوات الهادفة إلى ابراز قدراتها الاستخباراتية والسيبرانية، وذلك في محاولة منها لتغطية عجزها عن تحقيق ما أسمته أهدافًا استراتيجية في معاركها الميدانية، من خلال استهدافها القيادي في حركة “حماس” – فرع لبنان صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، أو من خلال تمكّنها من اغتيال قائد وحدة “الرضوان” في “حزب الله”، أو من خلال الغارة الجوية، التي طالت قادة في “الحرس الثوري الإيراني” في منطقة المزة في دمشق، أو سواها من العمليات، التي تستند في دقة التصويب إلى معلومات تصل إلى قيادتها العسكرية من مخبرين وعملاء في الداخل، سواء من لبنان أو من سوريا.
ولولا هذه المعلومات، وفق ما يراه بعض الخبراء في العمل المخابراتي، لما تمكّن العدو من تنفيذ كل هذه الجرائم.
وهذه الخروقات يمكن ادراجها في خانة التطورات الميدانية على طول الخط الأزرق، والتي بلغت مستويات غير مسبوقة بخطورتها ومدلولاتها. وهي تأتي في سياق استدراج إسرائيل “حزب الله” إلى حرب واسعة على لبنان، وهي مستويات لم تشهدها المناطق الجنوبية المستهدفة منذ السابع من تشرين الأول الماضي. فهدف التصعيد الميداني المترافق مع حرب الاغتيالات التي تشنها إسرائيل يوميًا في كل الاتجاهات باتت معالمه واضحة، ولم يعد سرًّا ما تخطّط له إسرائيل بعدما أصبحت مكشوفة أمام الرأي العام العالمي، وآخرها ما صدر عن محكمة العدل الدولية.
أمّا محاولات القرصنة التي تقوم بها إسرائيل لعدد من المواقع الرسمية في لبنان كالمطار ومجلس النواب ووزارة الشؤون الاجتماعية فهي لا تعدو سوى كونها فقاقيع صابون بدليل أن هذه القرصنة، التي يمكن أن يقوم بها أي خبير في الشؤون المعلوماتية، لم تصل إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وهو خرق لا يمكن وصفه إلاّ بما يشبه حال الضياع، التي تسيطر على القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل.
في المقابل فإن ما يُسمى خرقًا استخباراتيًا من خلال بعض العملاء والمخبرين في الداخلي اللبناني قد تمّ ضبطه من خلال الإجراءات التي اتخذت على مستوى مديرية المخابرات في الجيش، على أن يُعلن عن نتائجها بعد استكمال كامل عناصر التحقيق، التي تبقى سرية للغاية.
أمّا على مستوى التدابير التي اتخذتها القيادة العسكرية في “حزب الله” فإن مفاعيلها قد بدأت تأخذ مسراها الطبيعي بعد سلسلة من الإجراءات الميدانية وفقًا لما تقتضيه ظروف المعركة القائمة في الجنوب، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة متقدمة من المواجهة عبر ما يمكن اعتباره مفاجآت ميدانية قد تجعل العدو يعيد حساباته الميدانية، وإدخال أسلحة صاروخية متطورة (فلق 1) مع ما يترافق من حملة “تطهير” واسعة النطاق.
فتنفيذ إسرائيل لعمليات اغتيال كوادر من الحزب خارج منطقة ما كان يطلق عليه “قواعد الاشتباك” على طول الخط الأزرق واستهداف العاروري ورفيقيه ضمن “المربع الأمني لـ “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت وصولًا إلى توجيه الضربات الموجعة إلى مسؤولي وضباط المخابرات الايرانية المتمركزين في دمشق مؤخرا، انما يعبّر بوضوح عن زيادة الضغط العسكري الإسرائيلي على الحزب، ليرضخ لمطالب إسرائيل بالانسحاب من أماكن انتشاره على طول الحدود الجنوبية اللبنانية إلى عمق سبعة كيلومترات ليتسنى لها إعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات التي غادروها بعد عملية “طوفان الأقصى”، والتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، ضمن المطالب والشروط التي نقلها المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين إلى لبنان في وقت سابق من هذا الشهر.
فهذا التصعيد الإسرائيلي هو بمثابة ما يمكن تسميته التفاوض بالنار تحت مظلة التصعيد والاغتيالات، لتسريع افاق التسوية التي حملها هوكشتاين، وكلما طال الامر وتعقدت الامور كلما زادت الاشتباكات المسلحة على جانبي الحدود وتصاعد تجاوز الحدود والاغتيالات، ما يؤشر إلى مرحلة حساسة وخطيرة دخلت فيها المشكلة على الحدود الجنوبية، بينما يعرف الجميع ان إنهاء التوتر والاشتباكات مع الاسرائيليين، بحاجة إلى موافقة النظام الايراني، الذي تتماشى مصالح “حزب الله” مع خيارات إيران الإقليمية.
ففي حال لم تتوصل الديبلوماسية التي يتولاها اوكشتاين وغيره إلى نتائج ملموسة قريبًا، وطالت الحرب على غزة والمواجهة المحتدمة إلى انفلات الاوضاع المتدهورة جنوبًا، وتوسع نطاق الحرب باتجاهات غير محسوبة، سيكون ضررها فادحًا على لبنان كله، ومنه إلى المنطقة بأسرها.
لبنان 24