لم تلحظ موازنة 2024 أيّ زيادة مرتقبة لموظفي القطاع العام، الذين لجأوا مجدداً إلى الإضراب، ولكن بشكل متفاوت، وفقاً لتقديرات كل دائرة من الدوائر العامة. لم تُقفل كل المحاكم رغم دعوات الموظفين ورؤساء الأقلام، لأنّ 39 رئيس قلم من أصل 69 رفضوا الإعتكاف من دون تبرير موقفهم، في حين قرّر 30 منهم الإضراب.
مصادر متابعة أكدت لـ»نداء الوطن» أنّ الأمر يعود إلى حجم الرشاوى التي يتلقونها، فالمحاكم بمعظمها مشرّعة على «الإكراميات» التي «تبيح كل المحظورات».
يبلغ عدد موظفي المحاكم وقصور العدل في لبنان حوالى 1500 موظف بينهم 69 رئيس قلم، هؤلاء انقسموا بين مؤيد للإضراب لأن راتبه لا يكفي، وبين معارض له. وتشير المعلومات إلى أنّ نسبة كبيرة منهم تعتمد على «الإكرامية». وتؤكّد المصادر أن «جلسات المحاكم متوقفة حالياً لأسباب عدّة: أوّلاً بسبب الحرب التي فرضت نفسها على الجنوب، وثانياً والأهم تجميد التبليغات التي تتمّ، إمّا بواسطة عناصر الدرك وهؤلاء في غالب الأحيان لا يقومون بالمهمّة بحجة لا محروقات لديهم فتُرمى في الجارور، أو بواسطة موظفي المحاكم وهؤلاء لكلّ منهم إكراميته». تبعاً للمصادر فإنّ «الموظف يُحدّد قيمة التبليغ التي تبدأ بمليون ليرة وقد تصل إلى 7 ملايين».
هذا الواقع، دفع الكثير من موظفي المحاكم إلى عدم مجاراة الإضراب. الفساد في قصور العدل على عينك يا قضاء. المال يدخل في كل القضايا، يغيّر فحوى التحقيقات عن بكرة أبيها، تماماً كما حصل مع أحد المسّاحين الذين أوقفوا بجرم التلاعب بعمليات المسح في بلدة تولين الجنوبية وتقاضى مبالغ طائلة، وبقدرة قادر تقول المصادر «تغيّر الملف كلّه وخرج مثل الشعرة من العجين»، وتشير إلى أنّ «تغيير فحوى الملف له سعره، يبدأ من ألفي دولار وقد يصل إلى 10 آلاف دولار حسب الجرم».
هذا غيض من فيض ما يصيب المحاكم التي اجتاحتها سوسة الفساد، كما كل الإدارات العامة فالسمسرات «شغّالة» تحت «قوس العدالة». وبحسب المصادر نفسها فإنّ «تحلّل الرواتب زاد حجم السمسرات والفساد التي تُسمّى إكراميات، وأسهم غياب الرقابة وعدم المحاسبة في تعزيزها أكثر». وبالطبع انعكست الحرب على عمل المحاكم وقصور العدل في الجنوب، فتوقفت بشكل كبير، في حين جرى نقل الموقوفين داخل نظارات المخافر والمحاكم في تبنين ومرجعيون وغيرها إلى أماكن أخرى آمنة، رغم ما يتركه الأمر من آثار سيئة على السجون المكتظة والنظارات التي لا تتسع.
ثمّة مؤشر خطر في ما يتعلّق بالموقوفين وفق المصادر «هناك موقوفون كانوا يحتاجون فقط إلى قرار إخلاء سبيل، غير أن الظروف الراهنة أخّرت الإفراج عنهم». تجزم المصادر أنّ الفساد «يبدأ من رؤساء الأقلام ويصل إلى موظف المكتبة فيها، ولكل منه إكراميته، وهذا أثّر على الموظّف النزيه الذي يعمل بجدية ويتقاضى القليل». وتؤكّد المصادر أن «هؤلاء جمعوا ثروات كبيرة واشتروا عقارات ومنازل، من دون أن يسألهم أحد من أين لهم هذا؟…».
رمال جوني -“نداء الوطن”