لا يعرف أعضاء مجلس النواب على ماذا صوتوا مساء الجمعة الماضي في ختام مناقشة موازنة 2024 وإقرارها. ويعظم الاستهجان، بل الريبة والشك في النيات المبيّتة السيئة، إذا ما علمنا أنّ المشكوك فيه يشمل مواد ضريبية إصلاحية من النوع الثقيل يمكن أن تجبي لخزينة الدولة مليار دولار. اذاً، نحن أمام فضيحة تشريعية، وليس نكتة من نكات رئيس مجلس النواب نبيه بري. نعم فضيحة «مادِة إجرا من الشباك»! استعجل رئيس المجلس، قبل العودة سريعاً الى عين التينة، وأراد إرضاء أكثر من طرف في أقل من سويعة، فأتاح التصويت بطريقة «هات إيدك والحقني» على فرض ضريبة استثنائية على أرباح الشركات التي استفادت بشكل غير مشروع من أموال الدعم، وزيادة الضريبة على شركات الأموال من 17 الى 25%.
في اليوم التالي، «راحت السكرة وإجت الفكرة»، فتناقضت تصريحات النواب حول إقرار تلك الضرائب من عدمه. وشهدت الأمانة العامة للبرلمان منذ صباح الاثنين مراجعات نيابية ضاغطة لمعرفة الصياغة النهائية لتلك المواد التي شهدت نقاشات حادة بين مؤيديها الاصلاحيين ومعارضيها الانتهازيين.
ضاعت الطاسة، فأمر بري بتفريغ تسجيلات الجلسة تاركاً الباب موارباً «لأرنب يطل برأسه» كما في ألعاب السحر.
إحبسوا الأنفاس، إنه السحر الأسود هذه المرة، فالتشتت التشريعي المعيب سمح للهيئات الاقتصادية وشركات استيراد النفط والأدوية والأغذية بالضغط على خاصرة الدولة الرخوة مع تهديدات بالتصعيد كإيقاف توريد المحروقات الى الأسواق، ما أعاد الى الأذهان فوضى أيام الطوابير المشؤومة أمام المحطات.
والاشكاليات المطروحة، خصوصاً حول ضريبة أرباح الدعم تشمل: رجعية الضرائب، قانونيتها ودستوريتها، أهي ضرائب أم غرامات؟ إمكانية جباية تلك الإيرادات، صعوبة التدقيق في فواتير تلك المرحلة السوداء من تاريخ الأزمة التي شهدت تهريباً كبيراً الى سوريا، وتخزيناً مهولاً لمواد أساسية في مختلف المناطق اللبنانية، فضلاً عن هواجس الاستنسابية في التحصيل بابتزاز لا تدخل حصيلته الخزينة العامة، بل جيوب مهيمنين فاسدين في وزارة المالية.
كان بري متعباً مستعجلاً إنهاء الجلسة كيفما اتفق، متجاهلاً أنّ الأصول التشريعية البديهية كانت تقتضي عقد جلسات إضافية لهذا النوع الاستثنائي من الإصلاح الضريبي الجوهري.
نحن اليوم في الأول من شباط، إذا بقيت تلك المعضلة قائمة فإنّ إقرار الموازنة برمتها غير دستوري.
لا يمكن تحميل النواب المسؤولية التي تقع على عاتق رئيس المجلس أولاً وأخيراً. فكيف سيتصرف مع تلك التسجيلات؟ وهل يسمح مرة أخرى بخروج نصوص مفخّخة حمّالة أوجه غير قابلة للتطبيق أو قابلة للطعن فيها بسهولة؟ قيل «آخر الرقص حنجلة»، فكيف اذا كان الرقص على رؤوس أفاعي مستغلي مليارات الدعم والمحتكرين الوقحين والمهربين المجرمين ومحترفي فظائع التهرب الضريبي؟
نداء الوطن