منذ أن سلكت موازنة 2024 طريقها من الحكومة إلى المجلس النيابي، في محطة اولى في لجنة المال والموازنة قبل انتقالها الى الهيئة العامة، كان واضحاً ان الاهداف الحقيقية للمشروع قبل تحوّله إلى قانون، لا تتجاوز استسهال الحكومة في تحسين ايراداتها من خلال اللجوء إلى زيادة الضرائب والرسوم، عبر سياسة لا تمت بصلة إلى العدالة الضريبية ومبدأ المساواة بين المكلفين، مقتنعة بأن مجرد اقرار القانون ضمن المهل الدستورية كافٍ لتوجيه رسالة إصلاحية إلى الخارج، ولا سيما صندوق النقد الدولي، بأن الحكومة جدية في التزاماتها الإصلاحية.
أغفلت الحكومة اهمية وضع رؤية اقتصادية وأهداف تعكس توجهاتها للسنة التي أطلت برأسها منذ شهر وسط آفاق قاتمة وتوقعات متشائمة، على نحو يشرح للناس ما ينتظرهم من الاداء الحكومي في سنة مثقلة بالتحديات والمخاطر.
لم يقف التقصير والإهمال عند هذا الحد، بل امتد إلى الجلسة العامة التي عكس فيها نواب الأمة أداء لا يقل شأناً في ممارسة دورهم الرقابي، إلى جانب الدور التشريعي المنوط بهم. فخرج القانون من رحم الصخب والضوضاء، بعدما غابت كاميرات الإعلام عن القاعة الكبرى، ليحل محلها سوق عكاظ خرج منه النواب غير مدركين لِما فعلت أيديهم. أيّ ضرائب أُقرّت، وبأي نصوص، وهل تمت قراءة المواد قبل اقرارها، اي هل اطّلع النواب على المواد القانونية في صيغتها النهائية التي ستصدر فيها بالقانون، وهل يدرك النواب علامَ صوّتوا؟
أقل من اسبوع مضى على اقرار المجلس النيابي قانون موازنة 2024، وسط لغط أحاط عددا غير قليل من المواد حيال النصوص التي اقرت. وترافق ذلك مع شروحات بأن البنود موضع الجدل تُعاد صياغتها تلافياً لاعتراضات النواب والحملات التي استهدفتها، ما يطرح اكثر من سؤال حول آلية صياغة البنود بعد تعديلها واقرارها.
مادتان شكلتا موضوع اللغط والصخب اللذين رافقا اقرارهما، الاولى تتعلق بفرض ضريبة على كل مَن استفاد من دعم يفوق العشرة آلاف دولار أمّنه من مصرف لبنان للمؤسسات، والثانية تتعلق بفرض ضريبة على كل من استفاد من منصة صيرفة. المادة الاولى المتعلقة بالضريبة على الدعم، كانت رفعتها وزارة المال في مشروعها إلى مجلس الوزراء الذي سحبها، فيما كانت الحكومة اقترحت المادة المتصلة بالضريبة على أرباح صيرفة ولكن لجنة المال النيابية سحبتها. فكان من كتلة “اللقاء الديموقراطي” ان طرحتهما في الجلسة.
سبب اللغط كما صرح عدد من النواب يعود إلى ضجة اثيرت في القاعة عند تلاوة المواد الواردة في الموازنة، بحيث تعذر على النواب سماعها، فيما لم يسمعوا إلا مطرقة الرئيس نبيه بري تعلن التصويت والتصديق.
ليست المرة الاولى التي يشكو فيها النواب من عدم مطابقة المواد القانونية المقرَّة مع النص الذي صادق عليه النواب، علماً ان مصادر في المجلس تؤكد ان عملية صياغة القوانين في شكل عام تمر بمراحل عدة، اولاها الاستماع إلى تسجيلات المحاضر وتفريغها وفق ما وردت خلال النقاشات والتعديلات، وتتم مقارنتها مع النص الوارد اساساً للتأكد من صحة التعديلات ثم تُجمع لتصدر في الجريدة الرسمية وتدخل حيز التنفيذ.
رغم مرور اسبوع على اقرار القانون، إلا انه لم يُحل بعد إلى الجريدة الرسمية، في حين تفيد المعلومات انه سيصدر يوم الاثنين المقبل، اذ تجري اعادة قراءة النصوص موضع الجدل للتأكد من مطابقتها مع التعديلات التي حصلت خلال المناقشات، علماً ان بعض النواب أعربوا عن استيائهم من قيام كتلة “اللقاء الديموقراطي” بتقديم اقتراح قانون يتعلق بالضريبة المشار اليها من خارج مشروع الموازنة وتم اقراره كبند منفصل ولم تجرِ مناقشته في لجنة المال والموازنة.
بقطع النظر عن مضمون النص القانوني وأهميته، يشكو بعض النواب من الطريقة التي أُسقِطت فيها المادتان في الدقائق الأخيرة، من دون ان يتسنى للنواب الاطلاع عليهما، فضلاً عن أنهما تحملان مغالطات قانونية لجهة عدم تحديد المهلة الزمنية للمفعول الرجعي وربطه حصراً بفترة الدعم. ومعلوم ان فترة الدعم يمكن ان تمتد الى ما قبل الازمة المالية، بما ان سياسة الدعم معتمدة منذ زمن طويل. كما ان استيضاحات النواب عما إذا كان القانون يلحظ شركات النفط او الادوية فكانت الاجوبة تأتي شفهية، كذلك بالنسبة الى ما إذا كانت الضريبة على حجم الأعمال أو على حجم الأرباح.
اذاً حوار طرشان انتهى إلى اقرار المادتين، ليعود العمل بعد الإقرار على اعادة الصياغة وفقاً لما تم التوافق عليه مع تجمّع شركات النفط إثر الإضراب الذي نفّذه. وعُلم ان اللقاء الذي جمع رئيس التجمع مارون شماس بنائب رئيس الاتحاد العمالي العام بسام طليس انتهى إلى التفاهم على ان تكون الضريبة على الأرباح وليس على حجم الاعمال، ما أدى إلى فكّ الإضراب.
“النهار”- سابين عويس