أتاح البنك المركزي رسمياً تخصيصَ سحوباتٍ نقدية بمبلغ 150 دولار شهرياً لفئاتِ المودعين الذين كوّنوا حساباتهم بعد انفجار الأزمتين النقدية والمالية في خريف العام 2019، وغير المستفيدين من «خصوصية» التعميم رقم 158 الذي يمكّن أصحاب الحسابات السابقة للأزمة الحصول شهرياً على 400 دولار نقداً.
وبالتزامن، فرض «المركزي» على المصارف التزام السعر الواقعي للدولار والبالغ حالياً وفق منصته 89.5 الف ليرة، في إعداد بيانات الموازنات الدورية بدءاً من اول العام الجاري، وبما يشمل خصوصاً أصول تحويل الموجودات والمطلوبات المحرَّرة بالعملات الأجنبية الى الليرة اللبنانية.
واقتضى صدور القرارين مخاضاً طويلاً ومشاورات صعبة مع جمعية المصارف تواصلتْ حتى ساعة تعميمهما ظهر السبت 3 شباط في يوم العطلة الأسبوعية، ما يعكس حقيقة اختناقات السيولة لدى القطاع المالي الى حد يقارب الانسداد، وبالتالي المَحاذير الجدية من اعتماد خطواتٍ غير محسوبة من شأنها تزخيم الصعوبات الناجمة التي تعانيها البنوك في تعاملاتها مع المودعين الذين يعانون بدورهم خطرَ فقدان الجزء الأكبر من مدخراتهم البالغة نحو 91 مليار دولار.
وأظهرت مندرجات التعميم الجديد الذي حمل الرقم 166 والخاص بتحديد السحوبات النقدية الشهرية لفئات «محدّدة» من المودعين، لائحةً طويلة من الشروط والالتزامات المتوجبة لتحقيق الاستفادة بمعدل 1800 دولار سنوياً، مع حصْر الاستفادة بمبلغ واحد مهما تعدّدت الحسابات العائدة للمودع في مصرف واحد أو في مصارف اخرى.
وتأتي هذه الآلية لصرف حصص نقدية شهرية، كبديلٍ غير مكتمل عن التعميم رقم 151 الذي استمر العمل بمضمونه رغم انقضاء مهلته أول العام الجاري، والذي يتيح للمستفيدين سحب 1600 دولار شهرياً، انما بالليرة وبسعر 15 الف ليرة لكل دولار، اي بما يوازي 24 مليون ليرة تساوي فعلياً نحو 266 دولاراً بالسعر الواقعي للدولار البالغ 89.5 الف ليرة.
وبذلك، يحقّق التعميم الانصافَ الدفتري للمودع بحيث يتم قيد سحب بالقيمة الحقيقية المطابقة للمبلغ المسحوب، اي 150 دولار شهرياً، ويجنبّه استطراداً اقتطاع نحو 84 في المئة من أصل الحصة، لكنه يجافي تماماً استهداف تلبية جزء من المصاريف الاستهلاكية العادية، باعتبار ان الحصيلة المحدّثة بالليرة ستبلغ نحو 13.5 مليون ليرة، فيما تحتاج الأسر الى ما لا يقل عن 400 دولار او 36 مليون ليرة للتمكن من جبه الحد الأدنى للإنفاق المعيشي.
وربطاً بهذه الإشكالية، توقّع مسؤول مصرفي معني، عبر «الراي»، استلحاق التدبير النقدي بتدبير مالي يصدر عن وزير المال، ويتضمّن آلية رديفة للسحب المستبدَل بالليرة ضمن سقف شهري محدّد وبسعر يخفّف جزئياً من نسبة الاقتطاع المرتفعة التي تصيب كل شرائح المودعين المستفيدين من التعميم السابق.
ومن المفترض وفق هذا السيناريو الرديف، اعتماد سعر صرف خاص بالمودعين للسحوبات الاضافية المتاحة عبر التعميمين 158 و166، حيث تميل الترجيحات الى اعتماد قريب لسعر 25 ألف ليرة للدولار، على ان يجري تعديله لاحقاً ربطاً بتحقيق فوائض مالية في الموازنة وتحت سقف القيود السارية من قبل الوزارة والبنك المركزي والهادفة الى ضبط الكتلة النقدية بالليرة وفق مقتضيات حفظ الاستقرار النقدي والحؤول دون عودة المضاربات في أسواق القطع.
أما بالنسبة لإعداد ميزانيات المصارف وفق السعر الواقعي للدولار، فقد صنّفها المسؤول المصرفي عبر «الراي» بمنزلة الخطوة المحاسبية الضرورية لتصحيح البيانات، والاستعداد للانخراط اللاحق بإعادة هيكلة البنوك والذي يستلزم حكماً إحالة مشروع قانون بهذا الصدد من قبل الحكومة الى مجلس النواب، واستباقه الحكمي بمشروع قانون طال انتظاره ويقضي بوضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) ضمن هدف تشريع استعادة الانتظام المالي.
وفي سياق متصل بسعر الصرف، صدرتْ مذكرة عن مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي توجب تحديد سعر صرف الدولار الأميركي الذي على أساسه تُحتسب اشتراكات المضمونين الذين يتقاضون أجورهم بشكل كلي أو جزئي بعملة أجنبية بحسب السعر الرسمي الأعلى المعتمد من قبل مصرف لبنان حالياً، اي 89.5 الف ليرة، اعتباراً من اول الشهر الحالي.
وفي التبرير، ان هذه الخطوة تأتي انسجاماً مع توجّهات وقرارات السلطات السياسية والمالية كافّة في البلاد (مجلس النواب، مجلس الوزراء، المصرف المركزي) لجهة توحيد سعر صرف الدولار الأميركي في كافّة المعاملات والتي من شأنها تحقيق نوع من التكافل والتعاون بين أصحاب العمل والضمان الذي يصبّ في مصلحة العمّال المضمونين ويحسّن من مستوى معيشتهم ويحفظ حقوقهم على مدى الطويل، بالإضافة الى تأثيرها المباشر والسريع على التقديمات الصحيّة التي يوفّرها الصندوق.
الراي الكويتية