يعود الرئيس سعد الحريري الى بيروت جرياً على عادته السنوية في ذكرى استشهاد والده في الرابع عشر من شباط. هذه العادة التي درجت بعد تعليق النشاط السياسي لتيار المستقبل ومغادرة الحريري لبنان للاستقرار في الامارات واعطاء وقته لاعماله التجارية، مغايرة لسلوك الحريري اليومي حيث رهن الرجل وقته لاعماله التجارية واقتصرت نشاطاته السياسية اللبنانية على الاطلاع من بعيد وعبر مجموعة من المقربين له على التفاصيل اللبنانية.
من المبكر الحديث عن عودة دائمة للحريري طالما أن التسويات الاقليمية لم تنضج بعد، ولكن ثمة مؤشرات تؤكد أن الرجل لا زال على اللائحة السياسية اللبنانية ومن الصعب شطبه عن القائمة طالما ان المعادلة السُنية في البلاد مستمرة وهي اساس أي مشروع وطني قد يتم التوافق عليه. ومن الصعب في مكان اخضاع الولاء السني طوعاً لاي مشروع يريده البعض ويكون على حساب رؤية هذه الطائفة التي أثبتت أنها لن تحيد عن خط الحريري الاب وستواصل العمل مع الابن.
تُدرك المملكة العربية السعودية أهمية سعد الحريري على المستوى اللبناني بشكل عام والسُني بصورة استثنائية، وتُدرك أيضا أن الخلاف بين ولي العهد محمد بن سلمان وسعد الحريري لن يكون مجرد دعوات وتمنيات من قبل الطائفة السنية للمسؤولين في المملكة برفع الفيتو عن الحريري فيعود الرجل الى البلاد، فالامور أكثر تعقيدا وترتبط بالعقلية السعودية الرافضة لأي معارضة لخط الملك وولي عهده أو المشاركة في أي نشاط مُعاكس لمصلحتهما، وهذه الواقعة تنطبق على الحريري الذي فهم الرسالة الملكية وقرر الابتعاد عن المعادلة اللبنانية وتنفيذ رغبة الرياض حفاظا على مسيرته السياسية ومستقبله المهني ايضا.
وانطلاقاً من فهم هذا الواقع بات من الصعب على رئيس تيار المستقبل ادارة اي نشاط سياسي في لبنان من دون موافقة الرياض أو دعمها وهذا الامر غير متوفر في الوقت الحالي ويتطلب المزيد من التشاور قبل أن يقول ولي العهد كلمته. ويُعول الحريري على التغيرات الطارئة في المنطقة ويراهن أيضا على تعزيز دور الاطراف المعتدلة والمؤمنة بخطة السلام في الشرق الاوسط وبناء المشاريع الاستثمارية بعيدا عن لغة الحروب، وهو ما ينعكس برأيه ايجابا على المملكة التي ستعود في نهاية المطاف الى بيت الوسط كونه المرجع الوحيد الذي صمد رغم كل التحولات وقرأ جيدا خارطة المنطقة وتقلباتها، وبات لزاماً على رعاة التسوية الاقليمية البحث عن سعد الحريري للانخراط بها.
قد تأخذ تلك التسوية أكثر من سنة لوضعها على سكة الحل، وهو الوقت الكافي لرئيس تيار المستقبل لترتيب بيته الداخلي والاستغناء وفق ما يتردد عن الطاقم القديم الذي واكبه منذ العام 2006 والبحث عن خطة عمل جديدة تعتمد على عنصر الشباب ويكون لنجله حسام الدور الابرز في ذلك حيث يدور في الكواليس عن أن نجل زعيم المستقبل يتحضر لدخول المعترك السياسي اللبناني مُخاطبا جيل 17 تشرين بمباركة والده.
سيعود الحريري اذا الى بيروت في الايام القليلة المقبلة وسيُطبق برنامج السنوات الماضية التي أعقبت تعليق عمله السياسي بكل ما يرتبط في ذكرى استشهاد والده، ولكن بعد 14 شباط 2024 ليس كما قبله بالنسبة لتيار المستقبل الذي يُراهن على عودة تدريجية لنشاطه السياسي على الساحة اللبنانية تفاصيلها تحددها تطورات المنطقة واندفاعتها نحو السلام.
علاء الخوري-ليبانون فايلز