يأبى مسلسل الصراعات الطائفية داخل الجامعة اللبنانية أن يصل إلى خواتيمه. فالصراع المسيحي – الإسلامي، والسنّي – الشيعي ضمناً، حول ملف التفرّغ يتواصل. والكباش المسيحي – الشيعي حول انتخابات رابطة الموظفين لم يُذلّل بعد. تزامناً، جاء قرار رئيس الجامعة، الدكتور بسام بدران، عزْل عميدة كلّية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتورة هبة شندب، وتكليف الدكتورة سهى الصمد بدلاً منها، ليشكّل بوادر شرارة صدام سنّي – شيعي إضافي.
يتداول بعض أساتذة الكلّية أن شندب التي أتت بتكليف سياسي مباشر من رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في شباط 2023، «طارت» أيضاً بمباركة سياسية منه. غير أن سيرتها الأكاديمية لم تكن كافية للتعويض عن نقص في خبرتها الإدارية التي كانت سبباً رئيساً وراء علاقتها المتوتّرة مع بدران منذ تولّيها العمادة. ويتكلّم أساتذة آخرون عن مخالفات قامت بها شندب، ليس أقلّها تغطيتها على تجاوزات بعض المدراء، لا سيّما في الفرعين الثالث والخامس، ومحاولة مسايرتهم، حيث كان لهؤلاء تأثير كبير على قراراتها. مثلاً، قام رئيس قسم في الفرع الخامس بمراسلة المديرة لإخبارها عن تمنّع أحد الأساتذة عن الحضور لإعطاء محاضراته. وبعد شهرين من تجاهُل المديرة للشكوى، توجّه رئيس القسم إلى شندب التي بادرته بتجاهل مماثل إرضاءً للمديرة. وهو ما اضطرّه للتوجّه إلى رئيس الجامعة لمعالجة الأمر. وقد ساهمت هذه الحادثة في تسجيل نقاط سلبية على الأداء الإداري للعميدة حيث لا يتقبل الرئيس فكرة حضور طلاب إلى محاضراتهم وغياب أستاذهم. وهذا ما يدعو عدداً من الأساتذة للتساؤل إن كانت تجوز مسايرة المدراء على حساب الأساتذة والطلّاب، وتفضيل المصالح الضيّقة على مصلحة الجامعة العامة.
في سياق متّصل، هناك كلام عن مناكفات بين شندب والعميد الأسبق، أحمد رباح، الذي هو مستشار رئيس الجامعة حالياً. فهي كانت تسعى لإزاحة كل أستاذ مقرّب من رباح من اللجان رغم كفاءته، أو حتى إلغاء مبادرات ونشاطات كان الطلّاب يقومون بها في عهده (ومنها مبادرة «أنا حدّك» لطلّاب عِلم النفس). وما زاد الطين بلّة المؤتمر الثقافي الذي نظّمته شندب أخيراً في طرابلس من دون عِلم بدران وبرعاية ميقاتي، ما جعل الأوّل يتمسّك بقرار عزلها. بيد أن المسألة اتّخذت طابع التحريض الطائفي حيث اعتبر مسؤولون من الطائفة السنّية أنه من غير اللائق إقالة شندب بهذه الطريقة، وبأن رباح هو الذي أقنع بدران – الذي أقنع بدوره ميقاتي – بإقالتها. فثمة من يرى من بين هؤلاء أن ميقاتي يفرّط يوماً بعد يوم بحقوق الطائفة، لكن متابعين استبعدوا الفكرة، خصوصاً وأن الصمد، المكلّفة بدلاً من شندب، تنتمي للطائفة السنّية – ومن طرابلس تحديداً – هي الأخرى.
وهذا يستدعي السؤال عن سبب رفْع ميقاتي الغطاء عن شندب بعد أن كان عرّاب تكليفها. فهل من رابطٍ بين إقالتها و»سحْب» عمادة كلّية الهندسة من يد «حزب الله» وإعطائها للسنّة، كما «منْح» معهد الدراسات العليا في كلّية العلوم «تقدمة» لـ»الحزب»؟ مصادر إدارية داخل الجامعة تعتبر أن ما يحصل صورة مصغّرة عن واقع البلد. فامتعاض السنّة من الهيمنة الشيعية داخل الكليات والإدارات كما شعورهم بالضياع والغبن كون رئيس الجامعة شيعيّاً وشندب سنّية، أعطى الموضوع أبعاداً غير محبَّذة. وتضيف المصادر: «يحقّ للرئيس أن يعزل العميدة ساعة يشاء، لا سيّما وأنها كُلّفت ولم تُنتخب. كما أنّ بدران لم يكن ليقوم بهذه الخطوة لو لم يحصل على موافقة مسبقة من ميقاتي». صحيح أن ما حصل محدود بتأثيراته الأكاديمية، بحسب المصادر، إلّا أن التشنّج الطائفي السائد داخل الجامعة هو ما أضفى عليه أبعاداً تحريضية.
مصادر مطّلعة كشفت لـ»نداء الوطن» عن لقاء جرى يوم الأربعاء الماضي بين ميقاتي وبدران وإحدى القيادات السنّية. وقد كان تقاذُف كرة نار العزل بين «الرئيسين» سيّد الموقف حيث لم يتبنَّ أي منهما المسؤولية. وفي اتّصال مع شندب للوقوف عند رأيها والاستفسار عن عدم حصول عملية التسلّم والتسليم حتى الساعة، اعتبرت أن كلّ ما يمكن قوله قد قيل، ولا داعي للتكرار. أما عن مدى تأثير التدخلات السياسية على القرار المتّخذ بحقّها، فقالت: «القاصي والداني يعرف ذلك منذ عشرات السنين».
كُثر، على أي حال، يشهدون للكفاءة الأكاديمية والعلمية التي تتمتّع بها العميدة الجديدة، سهى الصمد، إذ هي موضع تقدير في الأوساط العلمية المحلية والدولية. ويؤكّد متابعون، بعيداً عن الجلبة التي رافقت تكليفها نتيجة التشنّجات الطائفية داخل الجامعة، أن القرار أمرٌ داخلي يخصّ الجامعة حصراً.
كارين عبد النور – “نداء الوطن”