لبنانيون إلى سوريا لإجراء عمليات تجميل: البديل الأوفر… النتيجة “إنت وحظك

من لبنان إلى دمشق مسارُ الرحلة واحد، والنتيجة “إنت وحظك”، وفقاً لما خلصت إليه تجارب عدد من اللبنايين بعد إجرائهم عمليات جراحية وتجميلية بتكلفة مقبولة، من دون أن يتطلب الأمر غير الانطلاق بالباص أو سيارة التاكسي لإيصالك إلى وجهتك التجميليّة… و”أهلاً بك في المستشفى”.

المشهد ليس جديداً على خطّ لبنان-الشام، فلطالما توجّه اللبنانيون إلى سوريا لشراء كلّ ما يحتاجونه، بالنظر إلى أن السوق السورية مضبوطة الأسعار، وأثمان السلع مناسبة للّبنانيين. لكن الرحلات لم تقتصر على التبضّع، بل شملت العمليات التجميلية التي لاقت في السنوات الأخيرة (بعد الأزمة الاقتصادية في لبنان) إقبالاً كثيفاً، والسبب “التكلفة المتدنّية”، أما النتيجة فلكلّ حالة قصّتها وتقييمها، لاسيما عمليات الأنف والأسنان وتكبير الصدر، في حين علّت بعض الأصوات في لبنان للتحذير من مخاطر إجراء بعض هذه الجراحات عند أطباء غير كفوئين أو في ظروف غير ملائمة مع غياب المتابعة الطبية اللازمة.

يؤكد نقيب الأطباء الدكتور يوسف بخاش لـ”النهار” أن “هذه الظاهرة ليست جديدة، فهي كانت موجودة سابقاً، إلا أن الإقبال على سوريا لإجراء عمليات تجميل ارتفع بشكل ملحوظ، لاسيما بعد الأزمة الاقتصادية وهدوء الوضع في سوريا إلى حدّ ما عمّا كان عليه في بداية الحرب”.

ويشير بخاش إلى “أننا نجهل نسبة اللبنانيين الذين يتوجّهون إلى هناك لإجراء عمليات. ونجهل أنواع الجراحات والتفاصيل الطبيّة، فلا إحصاءات توثق هذه الظاهرة، ومعرفتنا إجمالية”.

صحيح أن نقابة الأطباء لم تتلقّ شكوى بحق أيّ طبيب سوري بسبب عملية تجميل، لكن بخاش يتذكّر جيّداً حالة مريضة خصعت لعملية تكبير للثدي، ثم عانت من مشاكل ومضاعفات، ولجأت إليه، وقام بمساعدتها طبيّاً.

تُشاركنا زينة رحلتها من لبنان إلى طرطوس، بعد أن تابعت صفحة طبيب تجميل على “إنستغرام”. تعترف لـ”النهار” بأن ما شجّعها هو أن “الطبيب لديه مركز كبير في قطر، ويقصد سوريا لإجراء عمليّات تجميليّة قبل أن يعود إلى قطر”.

توجّهت زينة إلى سوريا في سيارة أجرة طلبتها بنفسها. ولكنها قبل الانطلاق كان الطبيب قد اطّلع على حالتها عبر التواصل بوساطة “الواتساب”، وأرسلت صوراً لأنفها، فأخبرها بتفاصيل العمليّة التي ستشمل التصغير وتكسير العظم. وتقول إنه “بعدما أخبرني بما سيقوم به، أعطاني رقم السكرتيرة للتنسيق معها وتحديد موعد للعملية. طلبت مني إجراء الفحوص اللازمة، وبعدها حدّدنا موعد العملية، وزوّدتني بكلّ التفاصيل، بالإضافة إلى عنوان المستشفى بالتفصيل”.

من جهة أخرى، يوضح بخاش بأنه يجب أن نعرف أن هناك نوعين من الأطباء في سوريا: القسم الأول هم الأطباء الذين درسوا في الخارج ومشهود لهم بكفاءاتهم، ويتقاضون أسعاراً توازي الأسعار التي يتقاضاها الأطباء في لبنان، في حين أن القسم الثاني من الأطباء يقدّمون خدماتهم مقابل أسعار منخفضة”.

ويعترف نقيب الأطباء بأنه في فترة من الفترات الممتدّة ما بين العامين 2016-2018، لاحظنا استخدام موادّ مزوّرة في سوريا، لا سيّما موادّ الحقن الخاصّة بالبوتوكس والفيلر، مما أدّى إلى التسبّب بمشاكل عديدة وتشوّهات، بعضها كان يصعب علاجه. لكن هذه المضاعفات تقلّصت بعد خروج سوريا من الحرب والقدرة على زيادة الرقابة على الموادّ المستخدمة في مجال التجميل.

يتوقّف بخاش عند مشكلة أساسيّة تتمثّل بعدم متابعة المريض أو الشخص بعد إجراء العملية، لكونه يعود إلى لبنان بعد ساعات من إجرائه للعمل الجراحيّ، مع ما يحمل ذلك من مخاطر حدوث مضاعفات أو آثار جانبية. ومع ذلك يرى أنه “لا يُمكن منع أيّ شخص من اختيار الوجهة أو البلد الذي يريد إجراء عملية جراحيّة فيه، فلا سلطة لنا لمنعه، فهذه حريّة شخصيّة”.

في المقابل، ينصح بخاش كلّ شخص يريد الخضوع لعملية جراحية أو تجميلية بالتأكّد من صفة الطبيب واختصاصه وأن يكون مسجّلاً في النقابة السورية ووزارة الصحّة كجرّاح تجميل.

للمناسبة، وثّقت “النهار” شهادة زينة التي توجّهت في 8 شباط الفائت عند السّاعة الخامسة فجراً إلى سوريا، بعد تنسيق استغرق نحو شهرين. تلقّت مكالمة تذكّرها بموعد العمليّة والتأكيد عليها…تكبدت نحو 800 دولار (خالص مخلّص) موزّعة بين تكلفة العمليّة التي بلغت 500 دولار، وأجرة التاكسي والأدوية.
تتذكّر جيّداً نهار العملية: “وصلتُ إلى المستشفى، وكنتُ موجودة في طابق كبير ونظيف ومرتّب جدّاً. استقبلتني الممرضة في غرفة خاصّة لي وفحصت الضغط والسكّري والأوكسجين، ثمّ قابلتُ طبيب التخدير والطبيب الذي سيجري لي العملية. جاء موعد العملية واستيقظت في الغرفة التي كنتُ فيها عند وصولي إلى المستشفى”.

اشترت زينة الأدوية التي يجب تناولها بعد العملية من صيدلية المستشفى، وعادت إلى لبنان. لا تخفي أنها نزلت إلى بيروت “والفتيل والقطب كانوا هلق محطوطين ما صرلهم ساعات، وكنت أعرف أن الطبيب لن يتعرف على شيء بعد العملية. ونتيجة ذلك، استعنت بطبيب جاء إلى منزلنا لإزالة “الفتيل” في حين أن الجفصين سقط بنفسه بعد 7 أيام وفق ما قال لي الطبيب في سوريا. أما بالنسبة إلى فكّ القطب فقصدت مستشفى قريباً من منزلي للقيام بهذه المهمة”.

تشدّد زينة على أنها “لم تعان من أيّ مضاعفات أو آثار جانبية، و”مرقت ع خير”، والطبيب مشهود له بشطارته. سعيدة بالنتيجة جداً. ولم أحتَجْ إلى أي استشارة من الطبيب نفسه أو من أيّ طبيب آخر. الحمد لله كانت العملية مسهّلة وناجحة، ولست نادمة أبداً على إجرائها هناك، علماً بأنني كنت قد استفسرت عن تكلفة العملية في لبنان وكانت الأسعار تتراوح ما بين 1000 و1500 دولار”.

من جهته، يرى مستشار نقيب الأطباء للشؤون التجميلية، الدكتور رائد رطيل، لـ”النهار”، بأن ظاهرة عمليات التجميل في سوريا ليست جديدة، وكانت موجودة في السابق، لكن الأزمة اللبنانية أدّت إلى زيادة الإقبال بسبب التكلفة الرخيصة.

عندما نتحدث عن هذه الظاهرة ليس الهدف التصويب على الأطباء السوريين أو الطبابة في سوريا، وإنما بهدف التوعية وتفادي أيّ مضاعفات أو نتائج غير مرغوية، وتشوهات بدأنا نشهدها في الآونة الأخيرة. ويشدّد رطيل على أننا “نلاحظ آثاراً وتشوهات عند بعض السيدات اللواتي خضعن للجراحة في سوريا، وبعض هذه التشوّهات غير قابلة للإصلاح. لقد سمعنا بوفاة شاب لبنانيّ عشرينيّ في سوريا بعد خضوعه لعملية تجميلية للأنف، في حين عانت ابنة الخامسة والعشرين من حالة “Necrose بعد خضوعها لعملية شفط دهون وحقنها في مكان آخر. وتعاني منذ سنتين من هذه المشكلة الصحيّة، وهي ليست الوحيدة التي عانت من مضاعفات بعد خضوعها لعملية جراحية”.

ويؤكّد: “لا نملك إحصاءات لعدد العمليات التجميلية التي تجرى في سوريا أو تركيا، لكن ما نعرف به – وفق رطيل – هو الحالات التي تواجه مضاعفات صحيّة. اشتكت شابة أخرى من ضيق في التنفس بعد إجراء عمليّة تجميل للأنف”.

ويبدي رطيل قلقه من أن “معظم العمليات الجراحية تجرى في وقت قصير نتيجة الضغط الكبير، وبالتالي لن تكون النتيجة مُرضية دائماً. ونعلم أنّ عمليّة تجميل الأنف تستغرق ما بين الساعة والنصف إلى الـ5 ساعات، حسب كلّ حالة، بعكس ما نشهد في بعض المستشفيات السورية. والأخطر أن المرضى يخرجون بعد ساعات، ويعودون إلى لبنان، فمن يضمن عدم حدوث أيّ مضاعفات نتيجة مسافة الطريق وحالة جسم المريض؟”.

وعن أكثر العمليات التجميلية طلباً في سوريا، يشير إلى أن عملية تجميل الأنف تحتلّ المرتبة الأولى في قائمة عمليات التجميل في سوريا، تليها عمليات شدّ الوجه وشفط الدهون وتكبير الثدي، إلى جانب حقن البوتوكس والفيلر، والتي كشفت عن فضائح صحيّة، إذ تبيّن استخدام البعض لموادّ مزوّرة تسبّب تشوّهات وندوباً…ليس فقط في سوريا وإنما أيضاً في بعض المراكز التجميلية غير المرخّصة”.

من زينة إلى فرح، تعترف الأخيرة التي خضعت لعملية تجميل الأنف، وبلغت تكلفتها عند أحد أطباء النخبة في سوريا، وفق ما تصفه، نحو 400 دولار، (تعترف) بأن “الشعور بالخوف طبيعيّ، خصوصاً عندما تكون في بلد غير بلدك، والتواصل مع الطبيب يكون عبر “الواتساب”. وغالباً ما يكون التعرّف على الطبيب من خلال تجارب لأشخاص خصعوا لجراحات تجميلية عنده أو من خلال منشوراته وفيديواته التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي”.

لم تمكث فرح أكثر من ساعات في المستشفى قبل أن تعود إلى لبنان، لكنها تؤكد أن “العملية لا تستغرق وقتاً. دخلت صباحاً إلى المستشفى، وبعد الظهر عدت إلى لبنان. وتابعت مع الطبيب عبر “الواتساب” من خلال إرسال صور للأنف للتأكد من عدم وجود أيّ آثار أو مضاعفات، وللتأكّد من نتيجة العملية”.

وسمعت فرح من بعض الأصدقاء ومعارفها أن عدداً قليلاً من الأطباء السوريين كانوا يقصدون لبنان للاطمئنان إلى مرضاهم بعد إجراء العمليات في سوريا، إلا أن أغلبية الحالات تُتابع عبر “الواتساب”.

بالطبع، الأخطاء الطبية لا تتعلق بجنسية طبيب، وهي يمكن أن تحدث في أي بلد، لكن الإضاءة على “التهافت” لإجراء العمليات التجميلية بأسعار منخفضة من دون التأكد من جدارة الطبيب أو المركز الصحي التجميلي، وبالتالي التبعات، هو أمر واجب لناحية التوعية.

النهار- ليلي جرجس

Exit mobile version