لا حاجة للتأكيد أنّ سعد الحريري يبقى، على الرغم من غيابه عن لبنان منذ سنوات، الأقوى شعبيّاً لدى الطائفة السنيّة. منذ هجرته من لبنان ومن السياسة، قسراً، لم ينجح الساعون الى وراثته سياسيّاً في الجلوس على كرسيّ زعامة طائفةٍ تبدو مكسورة الخاطر في غيابه.
لكنّ زعامة الحريري، المدعومة بالحضور الشعبي، تحتاج إلى عاملَين لتستعيد وهجها السابق، ولتعيد، خصوصاً، من يدّعون المنافسة سنيّاً الى أحجامهم الطبيعيّة: السعوديّة والمال.
لا يمكن فصل زعامة الحريري عن الدعم السعودي الذي توفّر سابقاً للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثمّ كُرّس مع الوريث الذي اختارته المملكة نفسها من بين الطامحين في العائلة نفسها.
تبقى السعوديّة، مهما انكفأت عن الداخل اللبناني، قادرةً على التأثير داخل طائفة ارتبطت بها تاريخيّاً، خصوصاً في مرحلة افتتحها اتفاق الطائف الذي شكّل خاتمةً للحرب اللبنانيّة، ثمّ انطلاقةً لمرحلةٍ جديدة. وهي تملك اليوم، ممثّلةً بسفيرها في بيروت، قدرةً على تجييش مجموعاتٍ سنيّة كبيرة، نيابيّة وشعبيّة، والأمثلة كثيرة في السنوات القليلة الماضية.
ومن المؤكد أنّ عودة الحريري، كما كان قرار ابتعاده، مرتبطة بالرغبة السعوديّة. وهو، إن قرّر العودة الدائمة إلى لبنان وممارسة العمل السياسي من جديد، فسيكون ذلك بفعل تسويةٍ مع المملكة قد تحصل يوماً ما وقد لا تحصل أبداً.
كما أنّ استعادة حضور الحريري ودوره كاملاً يحتاجان إلى قدرة ماليّة تتيح له إعادة تشغيل محرّكات تيّار المستقبل التي واجهت في السنوات الأخيرة إغراءات كثيرة، من بينها العروض التي تلقّتها من بهاء الحريري الذي ظلّت خروقاته محدودة جدّاً في البيئة التي احتضنت سعد الحريري وتملك عاطفةً خاصّةً تجاهه.
القرار السعودي والقدرة الماليّة غير متوفّرَين اليوم، ولذلك ستكون زيارة الحريري هذا العام كسابقتها، وإن كان سيقوم حتماً بعمليّة جسّ نبض لقوّته الشعبيّة وسيعيد التواصل مع بعض من أبعدتهم المسافة الجغرافيّة، وربما السياسيّة.
ولعلّ الحريري سيلمس مدى الحاجة إلى عودته، لا سنيّاً فقط بل لبنانيّاً أيضاً. وما دام يقيم في الإمارات، ويتخلّى عن دوره في لبنان، فإنّ ما يُسمّى الساحة السياسيّة سيبقى قسمٌ منها شاغراً في غيابه. ولكن، في الوقت عينه، على الحريري والمقرّبين منه أن يدركوا أنّ الطبيعة لا تحبّ الفراغ. وإذا كان ملء الشغور الذي خلّفه ابتعاده ما يزال عصيّاً، فإنّ الأمور قد تتبدّل إن طال الغياب.
داني حداد – موقع mtv