الحرب الثالثة” تطرق الأبواب

من جنوب لبنان حيث ارتسمتْ للمرة الأولى منذ «طوفان الأقصى» أقوى ملامح «الحرب الثالثة» بين «حزب الله» واسرائيل والتي بدت أقرب من أي وقت، ووسط بيروت حيث أعاد «بحرُ الناس» الذين أحيوا الذكرى 19 لـ 14 فبراير «النبضَ» إلى الحريرية السياسية مكرّسين الرئيس سعد الحريري مرجعيةً استنهضتْ وضعيّتَها وعاودتْ وضْع رِجْلٍ في العمل السياسي وإن «مع وقف التنفيذ»… مشهديّتان طبعتا المسرح اللبناني أمس وجاءتا محمّلتيْن بأبعاد بالغة الدلالات حيال ما ينتظر «بلاد الأرز» أو«يكمن» لها، كما بمفارقاتٍ بـ «مفعول رجعي» تحتزن بعضاً من المسار الذي سقط على دربه الرئيس رفيق الحريري العام 2005.

وفيما كان الوضعُ على جبهة الجنوب يشهد مؤشراتٍ متدحرجةً إلى أن المواجهاتِ بدأت تخرج عن السيطرة وقواعد الانضباط، سواء بتوغّلِ «حزب الله» في ضرباته نحو صفد على عمق نحو 20 كيلومتراً حيث قُتلت مجنّدة وجندي، أو تَوَحُّشِ اسرائيل في استهدافاتها التدميرية ضدّ مناطق جنوبية لم يسبق أن كانت مشمولةً بـ «حزام النار» متسبّبة بمقتل ما لا يقلّ عن 3 مدنيين من عائلة واحدة (امرأة وفتى وطفلها الرضيع) وسط لغةٍ حربية اسرائيلية على طريقة «قرع الطبول»، فإنّ الاحتضانَ الشعبي العارم للرئيس سعد الحريري والذي تجلى بحضور شعبي جارف أمام ضريح والده وُضع في «الغربال» السياسي من زاويةِ معانيه كما آفاقه المحتملة على صعيد فكّ شيفرة «متى» يعود زعيم «تيار المستقبل» رسمياً عن قرار تعليق المشاركة في الحياة السياسية الذي اتخذه قبل عامين، بعدما بدا أن «قطار العودة» انطلقَ بانتظار اكتمال عناصرها وظروفها.

وإذا كانت محطة الرئيس السابق للحكومة في بيروت عاودتْ وضْع «حزام الأمان» حول المكوّن السني – بعد مرحلة من «فقدان التوازن» الداخلي – بالتفافه العريض حول الحريري الذي قام بـ «ربْطٍ» سياسي مع مرحلة ما بعد حرب غزة ونضوج أفقِ عودةٍ مكتملة المواصفات، سواء على متن مشروعٍ يَحْمله زعيم «المستقبل» للبنانَ «اليوم التالي» أو مشروعٍ يحمل الحريري إلى المشهد السياسي ويرتكز على أرضية إقليمية مريحة تتيح إنجازاتٍ لم تكن ممكنةً، فإنّ سحبَ الدخان الكثيف وغبار الدمار الكبير الذي أطلّ من جنوب لبنان بالتزامن مع احتشاد الآلاف في وسط بيروت تحت عنوان «مننزل ليرجع» (الى الحياة السياسية) عاودتْ تظهير إشكاليةٍ – بعض جوانبها قديمة – من شأنها أن تَدْخُلَ في حساباتِ توقيتِ عودة الحريري إلى صلب المشهد السياسي الذي يشكّل بيت الوسط محورَه منذ الأحد الماضي.

ذكرى الحريري الأب

فالانفجارُ الأعنف لجبهة الجنوب أمس والذي قوبل بما يشبه «ربْط أحزمةٍ»، لم يؤشّر فقط إلى ما ينتظر لبنان في الفترة الفاصلة عن وقف حرب غزة، بعدما كرّس السيد حسن نصرالله «الترابط بالنار» بين الجبهتين «مهما كان الثمن» أي «ولو شُنّت حرب علينا» راسماً معادلة التماثل في المواجهات «فإذا وسّعتم نوسّع»، بل استحضر البعض بإزاء ما تشهده الحدود اللبنانية – الاسرائيلية منذ 8 أكتوبر معادلةً شائكة يَعتقد كثيرون أن الرئيس رفيق الحريري باغتياله دفع ثمنها وهي عدم إمكان التعايش بين «هانوي وهونغ كونغ»، بمعنى أن أي عودة للحريري الابن الى العمل السياسي قبل بتّ هذه الإشكالية، ببُعدها العسكري كما بتشظياتها على علاقات لبنان بمحيطه العربي، ستجعل زعيم «المستقبل» يبدأ مجدداً من حيث انتهى في 2022 وهو ما يصعب تَصَوُّر أن يرتضيه.

وفي حين اعتبر هؤلاء أن «العودة الكاملة» والتي أرسى الحريري «الخطوة الأولى» فيها بزيارته الحالية، ستبقى رهناً بانقشاع الرؤية في المنطقة وترتيباتِ ما بعد حرب غزة وحصة لبنان فيها وهو ما عبّرت عنه ضمناً العبارة التي كرّرها زعيم «المستقبل» مراراً «كل شي بوقتو حلو»، استوقفتْهم رمزية تزامن ذكرى 14 فبراير مع عودة طيف تَفاهُم ابريل 1996 كأحد الأطر الناظمة في المقترحات والأفكار الدولية لخفْض التوتر على جبهة الجنوب وصولاً الى حلّ مستدام على 3 مراحل.

علماً أن الحريري الأب كان شريكاً «باسم الدولة» في هندسة هذا التفاهم الذي أنهى عملية «عناقيد الغضب» الاسرائيلية وارتكز على عدم مهاجمة المدنيين وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس وحق مقاومةِ الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.

وكانت ذكرى الحريري انطبعتْ بنجاح «تيار المستقبل» في الاستنهاض الشعبي الذي تجلّى بأوسع صورة في محيط ضريح الرئيس الشهيد في وسط بيروت حيث تَجَمْهَرَ الآلاف الذي تقاطروا من مناطق عدة وتحلّقوا حول زعيم «المستقبل» الذي توجّه إليهم بكلمات مقتضبة ولكن معبّرة حملت رسائل بأن المكوّن السني الذي يمثّله ما زال على تمسّكه بزعامته وأن «هذه العودة الى الساحة» هي أبعد من «جس نبض» شعبي بل أقرب إلى «إحياء نبضٍ» حصل وطَلَبَ «حافِظوا عليه» وأن البلد لا يمكن أن يسير من دون هذا المكوّن وما يمثله في المعادلة الوطنية وتوازناتها.

وقال الحريري للحشود: «أريد أن أشكر كل الناس التي أتت من كل لبنان، وأريد أن أقول لهم، أينما كنتُ سأبقى الى جانبكم ومعكم، وفي النتيجة مثلما تقولون، كل شي بوقتو حلو وسعد الحريري ما بيترك الناس».

وأضاف «قولوا للجميع إنكم عدتم الى الساحة، ومن دونكم ما في شي بيمشي بالبلد». نبض البلد هنا، حافِظوا على النبض، حافظوا على البلد، ونحن سوياً وأنا الى جانبكم، وكل شي بوقتو حلو.

وكرر الحريري هذا الموقف أمام المناصرين التي زحفوا الى بيت الوسط من أمام ضريح الرئيس الشهيد، حيث أعلن «ان الرئيس رفيق الحريري كان لديه مشروع عنوانه المستقبل، وقد استشهد لأنه كان معتدلاً ووسطياً ويحمل مشروع نهوضٍ للبلد»، مضيفاً: «سعد لا يترك الناس، وسأبقى معكم أينما كنتُ وكل شي بوقتو حلو».


الحدود اللبنانية – الاسرائيلية

في موازاة ذلك، كان الجنوب يعيش أعنف موجات التصعيد على مقلبيْ الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، حيث سدّد «حزب الله» ضربة هي من الأعمق باستهدافه صفد، في ما بدا رداً على الغارة قبل أيام على بلدة جدرا (ساحل الشوف – جبل لبنان) ومحاولة اغتيال القيادي في «حماس» باسل صالح، تماماً كما اعتُبر استهدافه أول من أمس مبنى ‌‏تابعاً للشرطة الإسرائيلية في كريات شمونة رداً على قصف بلدات لبنانية وبينها حولا حيث سقط عنصر من قوى الأمن اللبنانية.

وبعيد ضربة صفد، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن 8 صواريخ دقيقة أطلقت من جنوب لبنان واستهدفت صفد والجليل، وأن الهجوم «طال قاعدة عسكرية»، قبل أن يُكشف أن مجنّدة وجندياً سقطا في العملية.

وبعدما أفادت قناة «آي 24 نيوز» أن هناك 7 جرحى بينهم 3 حالهم متوسطة و4 إصاباتهم بسيطة، لفتت تقارير اسرائيلية أخرى أنّ مدى إطلاق الصواريخ هذه المرة كان «أوسع من السابق»، معتبرة أنّ «الحدث في الشمال هو الأخطر منذ اندلاع الحرب عند الحدود مع لبنان، ولا أماكن محصنة لـ 50 في المئة من سكان المستوطنات المحاذية للبنان».

وإذ رفع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لهجة التصعيد، واصفاً الهجوم الصاروخي على صفد بمثابة «إعلان حرب»، داعياً «لتغيير جذري في كيفية إدارة إسرائيل لميزان القوى على الحدود اللبنانية»، أعلن الوزير في «مجلس الحرب» بيني غانتس أن «المسؤول عن إطلاق الصواريخ من لبنان ليس حزب الله فقط بل دولة لبنان والرد على استهداف شمال إسرائيل سيكون قوياً ووشيكاً».

الراي

Exit mobile version