لنسّلم جدلًا أن بنيامين نتنياهو قرّر مع أركان حربه تنفيذ تهديداتهم بشّن حرب على لبنان فما ستكون عليه وضعية إسرائيل بعد أن يتعرّض عمقها الاستراتيجي لقصف صاروخي من أكثر من موقع لـ “حزب الله”، الذي ستتعرّض مراكزه بدورها لاستهداف مباشر تمامًا كما حصل في حرب تموز 2006، فضلًا عن قصف الضاحية الجنوبية ومناطق لبنانية أخرى وبنى تحتية، من جسور ومؤسسات حيوية ومستشفيات ومستوصفات ودور عبادة وتجمعات تجارية والطرق التي يمكن أن تسلكها قوافل الذخيرة من مختلف المناطق، حيث ترسانات “الحزب” إلى الجنوب، ومن بينها طريق الشام والأوتوستراد الساحلي الجنوبي، مع ما يمكن أن ينتج من أي مغامرة برّية من نزوح بشري في اتجاه المناطق، التي يمكن أن تكون أكثر أمانًا نسبيًا.
ولكن في المقابل، فإن إسرائيل تعرف جيدًا أن وضع “حزب الله” اليوم هو على غير ما كان عليه في العام 2006، أي أنه بات يملك أكثر من مئة ألف صاروخ دقيق وبعيد المدى، بحيث أنه قادر على إنزال أكبر قدر من الخسائر في المنشآت الحيوية، وقد لا يكون مفاعل “ديامونا” بعيدًا عن صواريخ “الحزب”، وكذلك منصة حقل “كاريش”، وغيرها من المنشآت، التي يمكن أن تثقل كاهل إسرائيل غير المعتادة على تلقّي هكذا ضربات موجعة، حتى الوصول إلى ايلات، التي تبعد عن الحدود مئات الكيلومترات.
فالواقع الميداني أجاد أحدهم بوصفه حين قال إن إسرائيل تسعى إلى حرب تخشاها فيما “حزب الله” يريد تجنيب لبنان حربًا لا يهابها، وإن كان بتفرّده بفتح جبهة الجنوب قد يؤدّي إلى إضعاف موقفه الداخلي في حال فُرضت الحرب الواسعة على لبنان، الذي يعاني ما يكفيه من مشاكل لا عدّ لها ولا حصر، وهو المحاصر بمختلف أنواع الأزمات الداخلية، وفي طليعتها أزمة الشغور الرئاسي، الذي تحدّث عنه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله بالأمس، نافيًا أن يكون الملف الرئاسي مرتبطًا بحرب غزة.
ولكن، وعلى رغم التهديدات الإسرائيلية المتواصلة وقرع طبول الحرب الواسعة فإن بعض المراقبين العسكريين يستبعدون الوصول إلى ما تخشاه إسرائيل ولا يريده “حزب الله”، وذلك انطلاقًا مما قد تكون عليه النتائج الكارثية في كل من إسرائيل ولبنان. فالقيادة العسكرية الإسرائيلية تعي تمامًا أن الحرب على لبنان تختلف ظروفها وطبيعتها عن حربها على غزة، مع أنها تفاجأت كثيرًا بالصمود الفلسطيني، ولكن الأمر مع لبنان، أي مع “حزب الله”، مختلف تمام الاختلاف. فهي تعرف أن اجتياحها للأراضي اللبنانية لن يكون بمثابة نزهة، وتدرك أيضًا أن ما ينتظرها من مفاجآت لن تخطر على بال أحد.
واستنادًا إلى ما يسمّيه السيد نصرالله بـ “توازن الردع” أو “توازن الرعب” فإن أكثر من مراقب دولي يستبعد توسعة الحرب، خصوصًا أن الحديث جارٍ حاليًا حول إمكانية عقد تسوية على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والتي تعمل عليها واشنطن وفق “اجندات” لها علاقة كبيرة بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فضلًا عن التصعيد الأخير، الذي شهدته مناطق جنوبية واسعة، لا يزال يخضع لحال من التجاذب بفعل الردود والردود المضادة، من دون أن يفقد الطرفان السيطرة على دينامياتها. وبفعل معادلات الميدان المتبادلة، وأولوية الطرفين حتى الآن بعدم الذهاب إلى حرب مفتوحة، فإن الأمور لم تبلغ حتى الآن مرحلة اللاعودة، كما يعتقد هؤلاء المراقبون.
فالتهديدات الإسرائيلية وبالأخص تلويح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للمرة الأولى بغزو بري حتى بيروت، يعتبرها بعض المراقبين في بيروت بمثابة “فقاقيع صابون” ليس إلاّ، في ظل الحديث عن مقترح فرنسي جديد لتبريد الجبهة الجنوبية، والذي رفضه “حزب الله” عندما تحدّث نصرالله، ممازحًا، عن أن نقل نهر الليطاني إلى الحدود قد يكون أسهل بكثير من نقل عناصر “الحزب” إلى شماله بواقعه الجغرافي الحالي، بغض النظر عمّا يحكى عن “ترسيم الحدود”، التي نفاها نصرالله، والتي تختلف عن الترسيم البحري.