المعلومات التي وصلت إلى بعض العواصم العربية الكبرى عبر القنوات الأمنيّة الأميركية مفادها أنّ زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الخامسة للمنطقة، موفداً من الرئيس الأميركي جو بايدن، انتهت إلى طريق مسدود بسبب التعنّت اللانهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كانت الرسالة الأميركية التي حاول بلينكن تسويقها هي أنّه يريد عمل تسوية سريعة تقوم على 3 مبادئ:
1- وقف إطلاق نار فوري لا تقلّ مدّته عن شهر.
2- خلال هذا الشهر تنشئ إسرائيل مجموعة من الخيام على سواحل شمال غزة. على أن تؤوي ما لا يقلّ عن مليون نازح من منطقة رفح. وتبدأ من الجنوب إلى وسط مدينة غزة.
3- يتمّ تبادل أوّلاً النساء والأطفال والمرضى من الرهائن المدنيين. مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين. ويتمّ الاتفاق على عددهم وأسمائهم.
أعطت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر للعملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في جنوب رفح ومحور فيلادلفيا. على أن تكون نهائية، لتصفية الوجود العسكري لحماس في قطاع غزة.
الـCIA تحذّر من عملية رفح
كان رئيس الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز قد نقل لنظرائه المصري والقطري والإسرائيلي قلق الاستخبارات الأميركية من حدوث عمليات عسكرية في رفح. هي التي تكتظّ بـ1.4 مليون نازح وزاد عدد سكّانها الأصليين 7 أضعاف خلال 40 يوماً.
حذّر بيرنز من أنّ مثل هذه العمليات في محيط مدينة رفح هي كارثة أمنيّة وإنسانية بكلّ المقاييس. في مساحة لا تزيد عن 151 كلم2. ولفت الانتباه إلى التقرير الذي استمع إليه أخيراً في السعودية ويفيد أنّ استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في شهر رمضان، الذي يبدأ خلال 3 أسابيع، سوف يؤدّي إلى تسخين وإثارة المشاعر الدينية. وأنّه ينصح بالتوصّل إلى وقف إطلاق نار فوري أو بأسرع وقت ممكن. خاصة أنّ “الثمن الإنساني المخيف والمؤلم الذي يدفعه سكان قطاع غزة من المدنيين قد فاق كلّ تصوّر إنساني”.
تنقل المعلومات أيضاً عن نتنياهو أنّه أبلغ بايدن رسالة صريحة واضحة مفادها 3 عناصر رئيسية:
1- إنّ اعتراف واشنطن بأيّ كيان فلسطيني سوف يُعتبر إسرائيلياً هدية أميركية “للإرهاب الفلسطيني الذي تقوده حماس”. وإنّ ذلك سيكون “خيانة” للوعد والتعهّد الأميركيَّين التاريخيَّين بحماية وتأمين الدولة العبرية.
2- إنّ إسرائيل ما دام على رأسها حكومة نتنياهو لن تتوقّف عن القتال حتى تنتهي من الآلة العسكرية لحماس. مهما طال الزمن ومهما كانت الكلفة الإنسانية.
3- إنّ إسرائيل لن ترتكب خطأ شارون بالانسحاب من القطاع بعد نهاية الحرب. بل سوف تسعى إلى إقامة منطقة عازلة من قواتها الأساسية لضمان أمن القطاع وضمان عدم عودة أيّ دور سياسي وأمنيّ لحماس. علماً بأنّ الحكومة الأمنيّة المصغّرة تدرس التفاصيل النهائية للعملية العسكرية في رفح.
تقول هذه المصادر إنّ 3 محادثات هاتفية مطوّلة تمّت خلال العشرة أيام الأخيرة بين الرئيس بايدن ونتنياهو، واستغرقت كلّ واحدة منها قرابة ساعة، ولم تنتهِ إلى أيّ شيء إيجابي بالمفهوم الأميركي
الجيش الإسرائيلي مستمرّ في عملياته
أخطر ما جاء في كلام نتنياهو لبايدن وبلينكن ونُقل أيضاً إلى ويليام بيرنز أنّه سواء أرسلت واشنطن قائمة تسليح جديدة لإسرائيل أو لا، وسواء دعمت سياسياً استمرار العمليات في غزة أو لا، فإنّ “جيش الدفاع الإسرائيلي سوف يكمل عمليّاته منفرداً حتى لو ضدّ الرغبة الأميركية”.
هذا كلّه يفتح الباب على مصراعيه أمام مستقبل العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو.
صفقة الدعم الأخيرة المقدّمة إلى الكونغرس والبالغة قيمتها 14.7 مليار دولار لا ريب آتية. هذا ما تؤكّده المصادر المطّلعة على هذه العلاقة. رغم الخلاف الظاهر والتسريبات التي تصدر عن البيت الأبيض وتعكس عدم رضاء الرئيس الأميركي عن “حماقات نتنياهو وتجاوزاته السياسية والعسكرية”.
إنّها حالة نادرة في التاريخ الأميركي، تكون فيها اليد العليا في القرار السياسي “للمدعوم” لا “الداعم”، ولمتلقّي المال والسلاح، لا لأكبر قوة عظمى في العالم!