فيما تجهد الديبلوماسية الدولية في سبيل وقف الحرب ومنع توسعها في اتجاه الداخل اللبناني، وفي وقت يحذر الرؤساء وكبار المسؤولين الدوليين لبنان من الانجرار الى التصعيد الواسع وآخرهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وفي حين لا ينفك رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عن التأكيد على التزام لبنان كل قرارات الامم المتحدة، تؤشر المعطيات الميدانية الى ان الديبلوماسية تغرد خارج سرب الاحداث الاقليمية الآخذة مروحتها بالاتساع.
فالهدنة العالقة على خط انهاء المشروع “الاسرائيلي” في غزة، تفتح الباب لبنانيا على كافة المخاطر، مع ازدياد المخاطر يوما بعد يوم من تدحرج الامور وخروجها عن السيطرة، اذ يبدو واضحا ان “تل ابيب” مصرة على جر حزب الله الى الحرب وفقا لتوقيتها، عبر توجيهها ضربات تخرج عن اطار قواعد الاشتباك “المتفق” عليها جغرافيا، وتكرس التوازنات الحاكمة للعبة على الحدود الجنوبية.
ولعل الساعات الماضية، وفقا لمصدر ديبلوماسي، قد شهدت تطورا خطرا، تمثل في سلسلة من العمليات المنظمة والمنسقة التي شهدها الداخل الايراني، والتي اعتبرت تخطيا للخطوط الحمر، ايا كانت هوية الجهة الاستخباراتية التي تقف وراءها، “اسرائيلية” ام اميركية، ما يفتح الباب امام تصعيد اضافي قد يكون لبنان احدى ساحاته، انطلاقا من مبدأ ضرورة فرض توازن رعب جديد، بعدما انكسر ما حكم الاوضاع منذ حرب 2006.
وفيما لا يزال لغز صواريخ صفد “اللقيطة” يؤرق الكثيرين، في اطار استراتيجية “الغموض البناء” القائمة على تذكير العدوّ بقواعد الاشتباك مع الحفاظ على مسافة استراتيجيّة، اطل امين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله ليؤكد على معادلة جديدة عنوانها “الدم مقابل الدم”، وترجمتها العملية “المدنيين مقابل المدنيين”، في محاولة لاعادة ارساء القواعد التي قام عليها تفاهم عام 1996، الذي بقي نافذ المفعول حتى عام 2006، معادلة تحصر المواجهة في الميدان وعلى الخطوط الامامية، اي “بالعسكر”، على ما تؤكد المصادر.
من هنا، تنبه المصادر الى ان الوضع دخل دائرة الخطر، اذ ان اي رد او اشتباك غير مدروس سيوسع دائرة المواجهة، خصوصا ان “اصدقاء اسرائيل” لا يمانعون من استمرار التصعيد والضغط، في ظل رفض الجانب اللبناني لفصل المسار عن غزة، والتجاوب مع المساعي الاميركية – الفرنسية، حيث ان “اسرائيل” ستحاول بكافة الأساليب نقل المواجهات الميدانية من غزة الى جنوب لبنان، وهذا ما يفسره قرار القيادة العسكرية في جيش العدو بسحب الألوية المدرعة واقوى فرقها من غزة الى الحدود الشمالية.
ورأت المصادر ان عملية النبطية، كانت خطوة مدروسة من قبل جيش العدو، بدليل كيفية استهداف المبنى بناء على معطيات دقيقة، ومن بين اهدافها “الغاء” قادة المقاومة وتدمير مراكزها الاساسية، وصولا الى شل القيادة العملانية للمقاومة الى اقصى حد، مع ما لذلك من تبعات ميدانية، خصوصا ان المستهدفين يتم اختيارهم بعناية وعن معرفة باهميتهم وادوارهم.
من جهتها، حملت اوساط وزارية لبنانية الوسطاء الغربيون مسؤولية التصعيد العسكري “الإسرائيلي” وتجاوز “تل ابيب” حدود قواعد الاشتباك المتعارف عليها منذ الثامن من تشرين الاول، لأن الوعود التي حملها أولئك كانت عكس ذلك تماما، وبخاصة أن هناك مساعي جدية عاد بها الموفدون بضرورة الالتزام بتطبيق القرار 1701 ونشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل على طول الخط الأزرق، مقابل تراجع حزب الله والعدو المسافة نفسها عن طرفي الحدود، وهو ما وعدت الحكومة اللبنانية بدراسته بشكل جدي، فور الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة.
ميشال نصر -الديار