دخل العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الخامس فيما ارتفعت أعداد النازحين من القرى والبلدات الحدودية الى نحو 90 ألفاً موزعين بشكل أساسي على أقضية صور والنبطية وصيدا. فكيف يتدبّر هؤلاء أمورهم؟
سؤال وحيد يكرّره الأطفال النازحون على مسامع أهاليهم “متى نعود الى منازلنا ومدارسنا؟”. لا يملك الأهالي ولا حتى المسؤولون إجابة عن ذلك السؤال منذ منتصف تشرين الأول الفائت بعد الارتفاع المتدحرج لأعداد النازحين من قرى وبلدات أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون.
فالإقامة المؤقتة لهؤلاء النازحين طالت وتخطّت بأضعاف آخر فترات #النزوح التي امتدّت من 13 تموز حتى 14 آب من عام 2006.
“الجنوبيون اعتادوا النزوح”
ليس جديداً أن ينزح الجنوبيون ولا سيما أبناء ما يُعرف بالشريط الحدودي، عن بلداتهم وقراهم، وإن كانوا عرفوا موجات نزوح منذ سبعينيات القرن الفائت، فإن موجة النزوح الحالية تختلف بسبب تغيّر كبير في الظروف الاقتصادية فضلاً عن عدم وجود أفق للتهدئة.
فعادةً كان النزوح بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، لكن الظروف اليوم مغايرة لجهة العدوان المزدوج، الأول على غزة والثاني على الجنوب اللبناني وبالتالي فإن فترة النزوح غير محدّدة بمعيار زمني في ظل التعقيدات داخل فلسطين وإصرار جيش الاحتلال على الاستمرار في عدوانه على غزة في ظل ربط التهدئة على الحدود اللبنانية الجنوبية بوقف إطلاق النار في غزة.
أعداد النازحين من الجنوب شهدت ارتفاعاً مطّرداً مع اشتداد الاعتداءات الإسرائيلية وعدم اقتصارها على ما بات يُعرف بالحافة الأمامية، أي تلك البلدات والقرى المتاخمة للحدود والممتدة من الناقورة وصولاً الى الوزاني مروراً بعيتا الشعب ورميش وعيترون وحولا وكفركلا.
وبعدما كانت أعداد النازحين في شهر تشرين الأول الماضي تلامس الـ15 ألفاً ارتفعت في شهر تشرين الثاني الى 26 ألفاً، وسجّلت في كانون الأول نحو 70 ألفاً واستقرت مطلع العام على 86 ألفاً لتلامس حالياً الـ90 ألفاً.
وبحسب أرقام “منظمة الهجرة العالمية”، فقد سجّل نزوح نحو 86000 شخص من المناطق التي تُصنّف ساخنة إلى مناطق أكثر أماناً، والمناطق الساخنة هي تلك البلدات الملاصقة للحدود وهي من الغرب: الناقورة، وعلما الشعب، والضهيرة، ويارين، والبستان، ويارين، وأم التوت، ومروحين في القطاع الغربي. وفي القطاع الأوسط هي رامية، و عيتا الشعب، ورميش، وعين إبل، ويارون، ومارون الراس، وعيترون، وبليدا، وميس الجبل، وحولا، ومركبا، والعديسة، وكفركلا، وبقيّة قرى القطاع الشرقي من الخيام وصولاً الى كفرشوبا مروراً بالوزاني، والعباسية وحلتا، والفرديس وغيرها.
ويتوزع النازحون حالياً بشكل أساسي على أقضية صور والنبطية وصيدا وفق الآتي:
صور 25601، والنبطية 23581،وصيدا 13086. أما في جبل لبنان فمعظم النازحين في بعبدا حيث ناهز عددهم الـ8000، وفي عاليه 4700، الشوف 2080، والمتن نحو 1000، وجبيل 3700، فيما نزح الى بيروت قرابة 6500 شخص.
وتوزع الباقون على البقاع الغربي وبعلبك والهرمل وكذلك على القرى في قضاء بنت جبيل البعيدة عن خط المواجهة، ووصل بعض النازحين الى طرابلس وكذلك البترون.
أما كيفية تأمين منازل للنازحين فتوزعت بنسبة كبيرة على عائلات مضيفة (نحو ثلثي النازحين)، وأكثر من 15 في المئة استأجروا منازل أو شققاً سكنية، فيما انتقل نحو 4 في المئة الى منازل يملكونها خارج مناطق المواجهة، واستقبلت مراكز الإيواء الجماعية قرابة 2 في المئة (مدارس ومؤسسات أخرى).
واختلفت نسب النزوح بين بلدة وأخرى، ففيما تسجّل بلدات الحافة الأمامية نسب نزوح تفوق أحياناً الـ70 في المئة، فإن بلدات أخرى تصل فيها نسب النزوح الى 50 في المئة مع الإشارة الى خلوّ تام لأطراف البلدات الحدودية من السكان.
أما عن التقديمات للنازحين، فالنازحون المسجّلون يفيدون من التقديمات سواء التي تقدّمها المؤسسات الرسمية من خلال برنامج إدارة الكوارث أو الاحزاب ولا سيما “حزب الله” و”أمل”، وأيضاً الجمعيات الخيرية وما يرسله المغتربون.
وبحسب متابعي ملف النزوح فإن التقديمات لا تزال متواضعة من قبل الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية ولا تصل الى 50 في المئة من الحاجات.
أما نوعية المساعدات فتراوح بين مبالغ مالية شهرية (100 دولار)، وحصص تموينية وغذائية وأدوات تنظيف وحليب للأطفال وكذلك حفاضات وغيرها.
لكن مساعدة أخرى اختارت “جمعية سنابل الخير” تقديمها فضلاً عن تلك التقديمات، وهي مساعدة صغار المزارعين بحسب رئيسها علي خليل بزي حيث تقدّم مبلغ 200 دولار شهرياً لـ70 مزارعاً في بلدات عيترون وورميش ودبل ومارون وبنت جبيل، كتعويض بسيط عن الخسائر التي لحقت بهم.
الى ذلك هناك نازحون لا يتلقّون أي مساعدات إما بسبب عدم التسجيل لدى المراجع المختصة أو بسبب عدم التواصل مع مسؤولين محلين رسميين أو حزبيين، أو بسبب التقصير.
بيد أن النزوح في هذه الفترة يُعدّ الأكثر قساوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان منذ أكثر من أربع سنوات، عدا عن أن هناك عائلات لم تستطع النزوح لعدم توفر الأموال بدل الانتقال وتأمين مستلزماته، وهناك عائلات لم تستطع النزوح لأسباب أخرى منها عدم توفر مكان لنقل المواشي أو الطيور وبالتالي فضّلت البقاء في القرى الحدودية علماً بأن هناك خسائر غير ظاهرة لدى من أجبر إما على بيع ما يملكه من مواشي وطيور بأسعار منخفضة جداً أو بسبب الكلفة العالية لنقلها الى مناطق بعيدة عن المواجهات، وكذلك هناك من اضطرّ للنزوح وترك الطيور والمواشي فريسةً إما للجوع أو للكلاب الشاردة.
“النهار”- عباس صباغ