انتشرت في الآونة الاخيرة تطبيقات وبرامج كثيرة ومنصات مواقع تواصل اجتماعية عدة استغلها الكثيرون، وخصوصا من جيل الشباب، لنشر مقتطفات بالفيديو والصور لأنشطتهم اليومية باستخدام هواتفهم الذكية.
وتشمل تلك المقتطفات مشاهد لأماكن يقصدونها وحاجات يقضونها على مدى يومهم، ومعلومات ومشاعر وأفكارا شخصية يعبرون عنها. وأصبح نشر هذه المقتطفات شبيها بنشرات شخصية يطُلع عليها جمهور قد يصل تعداده الى مئات أو آلاف لا نعرفهم لا من قريب ولا من بعيد.
ابحث الآن
ففي الماضي كنا نتحفظ على الكشف عن معلوماتنا أو تفاصيل يومنا لزملائنا أو معارفنا من غير المقربين. أما صورنا فكانت أمرا في غاية الخصوصية حتى بين الأصدقاء. أما الآن فقد أصبحنا ننشر الكثير من معلوماتنا الخاصة والشخصية حتى بدون طلب، طالما أن هناك جمهورا يستقبلها.
لقد أبعدتنا مواقع الاتصال عن الواقع كثيرا، وحرمتنا من المشاعر الحقيقية ولذّتها، ورغم أنها حققت أغراض التواصل السريع وغير المكلف بين الأصدقاء، وردمت القطيعة بين أفراد الأسر، واختزلت المسافات بين الشعوب. إلا أنها من ناحية أخرى أثّرت على العديد من المجالات الحياتية بشكل سلبي، بحيث سلبتنا مواقع التواصل الاجتماعي الدهشة لرؤية أشياء جديدة وجميلة، حتى أصبح كل ما نراه عاديا جدا.
ثم إن بيوتنا فقدت خصوصيتها وأسرارها، حتى صارت معظم البيوت من قوانينها أن لا تمتد يد إلى الطعام قبل اِلتقاط صورة للفيس بوك، وهناك أطباق تصنع لتصور في الإنستغرام فقط، وهناك ثياب تشترى لحصاد إعجابات وتعليقات رأس السنة، أو الأعياد الدينية، وهناك خلافات زوجية تناقش على الملأ، وصور مخلة يبدي رأيه فيها “كل ما هب ودب”.
وبات الذي لم يكن متاحا لنا مشاهدته وكان يعني لنا الكثير، في متناولنا يوميا، لكن بطريقة وهمية تنمي في أعماقنا ألف رغبة لم تسعفنا الحياة وظروفها لخوضها. وكل شيء أصبح مكررا ومستهلكا، فمن كل نسخة للصورة أو المنشور هناك ملايين النسخ غيّبت مفاهيم المتعة البسيطة، فلم نعد نهتم لجريمة قتل نشرت أحداثها، ولا أن تقشعر أجسامنا لمحاولة انتحار. وصار من الطبيعي جدا أن نشاهد مقطع فيديو لذبح عشرين رجلا ونحن نستمتع بوجبة طعام شهية.
إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يختلف بداهة عن بقية الأنواع الأخرى، وهو، وفق متخصصين، إدمان نفسيّ أساساً، يظهر في الهوس الجامح بالرغبة في الشعور بأننا لا نزال نحيا في المجتمع، وأننا نوجد، ونهمّ أحداً ما، إذ ينعكس ذلك في نوعية وحجم المشاركات والتفاعل على صفحات الشبكات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، قالت زينب الحاج علي وهي من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي في لبنان أن “بإمكان السوشال ميديا أن تخلق جمهورا يكون الداعم لأهدافها، على الرغم من عدم معرفتها الشخصية بهم”.
وأشارت زينب إلى “انقسام المتابعين لفئتين:منهم من هو مهووس بمواقع التواصل ولديه حب المقارنة والتقليد، ومنهم من يعتمد عليها لتطوير الذات”.
وأكدت زينب على ضرورة استغلال هذه المواقع بالطريقة الصحيحة بحيث قالت” لا تجعلوا السوشيال ميديا تستغلكم…بل استغلوها بطريقة صحيحة”.
وختمت كلامها بقولها “افصلوا حياتكم الخاصة عن مواقع التواصل، لكي تنجحوا وتستمتعوا اكثر، ويجب الاّ تعرضوا حياتكم الشخصية على المنصات الإجتماعية فتصبح متاحة للجميع”.
إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات ومهدت الطريق نحو عالم سريع، إلا أنها تبقى سيفا ذا حدين فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، لكونها رمزا للخداع والنفاق الاجتماعي بحيث لم يعد ممكنا أن نميز بين الصادق والكاذب، ولم نعد نعرف ما إذا كانت كل تلك المنشورات تمثل أصحابها أم أنها لا تمت اليهم بصلة. والسؤال الذي سيظل مطروحا، وملزما علينا أن نبحث له عن جواب شاف. كيف نحافظ على ذاتنا في ظل كل هذا المحتوى الزائف؟