تأكيد من ديبلوماسي فلسطيني، بعيد كلياً عن الخط السياسي، والخط العقائدي، لحركة “حماس”، أن هناك طيارين عرباً يتدربون في “اسرائيل” يشاركون في الغارات على لبنان وغزة !
لا تعنينا “حماس”، ونعلم أن هناك دولاً عربية ترى في “الاخوان المسلمين” أحصنة طروادة ـ ولطالما كانوا أحصنة اسطنبول ـ الذين يريدون العودة بتلك الدول الى القرون الوسطى، كما لو أننا لسنا على تخوم القرون الوسطى. لكننا، الآن، أمام الفلسطينيين. هؤلاء الذين هزوا العروش الأمبراطورية، وهزوا الهيكل، ليقولوا ان فلسطين ما زاالت، وتبقى، حية مدى الدهر.
الغرنيكا الفلسطينية فتحت عيوننا، أكثر فاكثر، على كوننا بقايا بشرية تصر على البقاء ما تحت الزمن، دون أن يكون لنا موطئ قدم ولو لذبابة على المسرح الدولي. دول مفككة، مجتمعات مفككة. تذكرون ما قاله معمر القذافي، لدى محاصرته في مقر اقامته، “نحن قبائل”. بعد أربعة عقود من تلك الكوميديا ( بدعة اللجان الثورية)، اعترف بأنه وضع شعبه، طوال تلك المدة، تحت عباءته، لا تحت عباءة العصر، لنرى ليبيا الآن، بثرواتها الهائلة، حلبة للصراع بين القوى العظمى، وقد تمزقت ارباً ارباً.
دعونا ننسى أننا عرب، وقد نسينا، منذ 1400 عام، أننا مسلمون، وننظر الى تلك الكمية البشرية التي تعيش بين الأنقاض، وبين جثث الآباء والأمهات، كما بين جثث الأطفال. الآلاف وهم يأكلون علف المواشي، فيما الذين يفترض أن يكونوا أهلهم يستعيدون، تحت الثريات، ليالي ألف ليلة وليلة.
واذا كنا على بيّنة من الثقافة التوراتية التي تحث على اجتثاث الآخر، ماذا عن الذين ياخذون بالثقافة القرآنية، وتضج بأدعيتهم، وبمواعظهم، مكبرات الصوت؟
من ذاك التيه الأبدي، نسأل أين مصر، أمّنا ومرجعيتنا، وهي في حالة من الانكفاء الذي مثلما يثير ذهولنا يثير ريبتنا. أيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، أين أنت من ليبيا وقد أصبح السلطان العثماني، ووكلاؤه، على أرضها ؟ وأين أنت من البحر الأحمر، وهو بحر الفراعنة، وقد رأينا وزير الدفاع التركي يوقع مع نظيره الصومالي، اتفاقاً أمنياً بحرياً لعشر سنوات ؟ وأين أنت من السودان الذي اذا ما تفكك تفككت أرض الكنانة ؟ كم تألم أمل دنقل، صاحب “لا تصالح” حين رأى النيل يبكي !!
لن ننسى مافعله رجب طيب اردوغان بمصر (ويبدو أن الكوندومينوم التركي ـ الاسرائيلي ماض على قدم وساق)، دون أن نفاجأ بالرئيس التركي الذي يحتل أجزاء من سوريا واجزاء من العراق، يظهر في القاهرة، بقامته السلطانية، ليكتب الصحافي التركي ايراي غوتشلور، في صحيفة “أكشام”، عن محور استراتيجي بين القاهرة وأنقرة، يمتد الى بلدان عربية أخرى.
اذا نقول للرئيس السيسي، كن محمد علي باشا، الأرناؤوطي الذي دق بحذائه على باب الباب العالي، والذي قال ان الدم العربي يجري في عروقه، نذكّر ماذا تعني سوريا لمصر، بل وماذا تعني لكل العرب، حين نرى اردوغان الذي يحتل أرضها ينظر بافتتان الى القاذفات الاسرائيلية وهي تضرب حتى دمشق. أكثر من ذلك، أطفال غزة يبحثون عن روث المواشي، فيما السفن التركية المبردة تنقل اللحوم، والأسماك، والخضر، الى القتلة…
لسنا ضد تركيا، بأي حال، بل نتمنى أن تكون شريكة في منظومة اقليمية تحد من سيطرة القوى العظمى، ولكن اذ لا نفاجأ بغيبوبة العرب، نفاجأ بالعلاقات على مصراعيها بين أنقرة وتل أبيب.
لا منطق يحكم العرب. لا منطق يحكم المنطقة كمسرح للصراعات العبثية. كما لا منطق يحكم المسلمين، مع اصرارنا على أن ما يدعى”العالم الاسلامي” ليس فقط بدعة لغوية بل وفضيحة لغوية.
بالصوت العالي، ذاهبون، بالرغم من كل ذلك الصياح، وبالرغم من كل ذلك الدم، نحو الأسوأ. العرب على كوكب آخر. الخليفة العثماني يمد الاسرائيلييين بما يحتاجون اليه لمواصلة القتال (تماماً كما فعل الشاه المخلوع أثناء حرب 1973. لا سقف، لا جدران، للعرب. أبوابنا مشرعة للحاخامات الذي يرون فينا الديدان البشرية.
راهنّا كثيراً على الزلزال. غزة التي لم يستطع الاسرائيليون قتلها يقتلها العرب. احملوا جثثكم على ظهوركم، وتوجهوا بالصلاة الى الهيكل (أو الى الكابيتول) بدل الكعبة. كفانا طقوس فولكلورية.
نبيه البرجي- الديار