في حادثة غريبة أثارت ضجة في لبنان خلال اليومين الماضيين، قامت معلّمة في واحدة من أشهر المدارس في جبل لبنان بطرد تلميذ من صفّه، ليس لسبب إلا لأنه رفض طلبها بتقديم المال كمساعدة لحزب الله كونه يخوض معركة في جنوب لبنان، على حدّ تعبيرها.
فيما أوضح والد الطالب طارق (اسم مستعار حرصاً على سلامة ابنه وكي يُكمل عامه الدراسي من دون مشاكل) لـ”العربية.نت”: “أن معلّمة مادة التاريخ والجغرافيا المعروفة بميولها السياسية المناصرة “للتيار الوطني الحر” أبرز حلفاء حزب الله ويرأسه النائب جبران باسيل، طلبت من طلاب الصفوف المتوسطة مساعدة حزب الله مادياً، لأنه يدافع عن لبنان ويخوض الحرب ضد العدو الإسرائيلي”.
لكنه أردف أن ابنه عبّر عن اعتراضه، مبرراً بأنه يُفضّل أن يشتري حاجاته من الألعاب الإلكترونية.
“أنت مش لبناني”
فما كان منها إلا أن طردته من الصفّ قائلةً له “أنت مش لبناني”.
وأشار الوالد إلى أنه أبلغ المديرة المسؤولة مباشرة عن المعلمة في المدرسة بما حصل مع ابنه، وطلب منها أن تتخذ الإجراء المناسب بحقها.
كما أضاف أن المديرة تعهدت بألا يتكرر ما حصل.
ليست أول مرة
إلى ذلك، أردف قائلا “هذه المعلمة تحاضر أمام طلابها بأن حزب الله مقاومة وجزء لا يتجزأ من لبنان، وعلينا جميعاً مساعدته”. وأكد أن “أن الحادثة التي حصلت مع ابنه ليست الأولى، فالمعلمة المذكورة تخبر طلابها دوماً بأن ازدهار منطقة البترون (شمال لبنان) وتصنيفها كوجهة أولى للسياحة في العالم العربي يعود الفضل بذلك إلى ابن البترون النائب جبران باسيل (حليف حزب الله)، إلا أن أحد الطلاب عارض ذلك قائلاً لها إن البترون لكل لبنان، فوبّخته”.
كما أعرب عن أسفه لسعي تلك المعلمة إلى فرض فكرها السياسي على الطلاب، مبدياً تخوّفه من أن تتخذ إجراءات عقابية بحق ابنه لأنه تجرأ على رفض طلبها.
كذلك أسف لانتشار فكر وصفه بـ”الغريب” في بعض المدارس اللبنانية، يروج لسياسة حزب الله بأنه “مُنتصر دائماً، وأنه سيتغلّب على أعدائه في الداخل والخارج”.
يشار إلى أن هذه الحادثة كانت لاقت استهجاناً واسعاً من قبل العديد من اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بإبعاد المدرسة عن الانقسام السياسي في البلد.
ومنذ أكثر من 120 يوماً وجبهة جنوب لبنان مشتعلة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، محدثة دماراً كبيراً وخسائر بأرواح المدنيين، في حين تخطى عدد قتلى حزب الله المئتين.
في بلد تنخره الخلافات والاختلافات، هل تتحول مقاعد الدراسة أيضاً ساحة سجال سياسي أو أرض معركة؟ وهل يجوز أن تتسلّل السياسة في لبنان إلى المدارس؟
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
حتى المقاعد الدراسية لم تسلم من الاحتقان السياسي، حالة غليان استثنائية تهيمن على إحدى المدارس في منطقة الحازمية لتضعها ضمن دائرة الاستهداف السياسي الممنهج.
فقد نشرت وسائل إعلامية معلومات تفيد بأنّ معلمة طردت تلميذة في المرحلة المتوسطة من الصف لعدم تأييدها “نهج حزب الله”.
وفي التفاصيل، طلبت المعلمة بمبادرة شخصية ومن دون علم إدارة المدرسة بجمع مبلغ مالي من التلاميذ دعماً وتأييداً “لحزب الله” على أن تضعه في صندوق المساعدات المخصصة “للمقاومة” بحسب تعبيرها.
ولما رفضت إحدى التلميذات التبرع بالمال معتبرة أنها تفضل الاستفادة من مصروفها الشخصي لشراء ما تحبّ، انزعجت المعلمة وطلبت منها بعصبية الخروج من الصفّ ما أثار غضب أهلها.
وعلم موقع “هنا لبنان” أنّ الأهل يرفضون الإدلاء بأيّ معلومات إضافية خوفاً على مصير ابنتهم في المدرسة أو تعرضها للمضايقات، كما حاولنا الاتصال بوزارة التربية والتعليم العالي لمعرفة موقفها من الحادثة ولكن لا إجابة.
فهل يجوز أن تتسلّل السياسة في لبنان إلى مقاعد الدراسة؟ وما الإجراءات التي ستتخذها المدرسة بحق المعلمة؟ فما حدث أمر خطير وغير مقبول وعلى الوزارة اتخاذ الإجراءات اللازمة بأسرع وقت، فمقاعد الدراسة ليست ساحة سجال سياسي أو أرض معركة.
من جهتها، تشير المحامية مايا جعارة إلى “أنه وبشكل عام التربويون والأكاديميون يؤكدون على ضرورة إبعاد السياسة وعدم إقحامها في العملية التعليمية، كونها المنبع الرئيسي للأجيال في بناء أسس تعليمية صحيحة خالية من الشوائب السياسية، والعمل خلاف ذلك يضعف الهيكل التعليمي وقد يساعد في تدهور بيئة التعليم”.
وترى أنه “كلما ما ابتعدت المؤسسات التربوية عن الاحزاب كلما كان ذلك أفضل لإخراج أجيال ناجحة منفتحة لديها منهجية وبُعد وطني وليس فئوي متقوقع”.
كما تشدد على خطورة تحويل التعليم إلى وسيلة لتحقيق أهداف ضيّقة، فالتركيز يجب أن يكون على المستوى والجودة والابتعاد عن الصراعات التي تؤدي إلى هدم الأجيال وليس بناء الأوطان”.
وتؤكد جعارة أن “العملية التعليمية في المدارس بالغة الأهمية وعلى المعلّم مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقه وعليه الابتعاد عن إقحام التلاميذ بأمور لا تتعلق بالمنهاج ولا يعود له أن يعمل على التأثير على فكر الطلاب وبثّ روح الكراهية بينهم من خلال إدخال أفكار من خارج منهاجهم الدراسي ولا تمت للعملية التعليمية بأي صلة”.
وختمت جعارة حديثها بالقول: “على وزارة التربية دور أساسي في هذا المجال، كحث المؤسسات التربوية على الالتزام في التعليم بمادة وكتاب التربية المدنية الموحد”.