ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الإحتلال الإسرائيلي البنى التحتية الأساسية في لبنان منذ البدء بحربه العبثية على القرى الحدودية. فمنذ انطلاق معارك الجبهة الجنوبية، عمدت مدفعية الإحتلال إلى استهداف محطات الكهرباء، وعواميد الإتصالات، وبئر المياه المختلفة، التي كان يستعملها الجنوبيون لريّ أراضيهم الزراعية، كما ولا تزال أحياء عديدة مقطوعة عنها الكهرباء بسبب عدم القدرة على إصلاح الأعطال، أو مدّ الشرائط اللازمة، والأمر نفسه ينطبق على خدمة الإتصالات والإنترنت.
التاريخ الصعب
إلا أن اللافت من بين كلّ هذه الإستهدافات هو استهداف محطة الوزاني، هدف إسرائيل “الثمين” في الجنوب، إذ تعتبرها نقطة، تستطيع من خلالها إعادة إحياء المعركة التي يعود تاريخها لعام 1897، أي إبّان شروع “أباء” المشروع الصهيوني، برسم خارطة ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”، عندما أرسلت الجمعية العلمية البريطانية بعثة من الخبراء والمهندسين إلى فلسطين، برئاسة الجنرال تشارلز وارن، لتقصي ما يوجد من موارد طبيعية هناك، حيث تمّ التركيز آنذاك على أهمية مياه الشمال الفلسطيني.. وعلى الوتيرة نفسها، قاد زعيم الحركة الصهيونية غليوم هرتزل معركته، الذي ركّز بمذكراته على جنوب لبنان وجبل الشيخ، نظرًا للأهمية الإقتصادية، والعسكرية، والطبيعية، باعتبارهما موردًا مهما للمياه، وهذا ما دفع بزعماء الحركة والمسؤولين آنذاك إلى طبع كتب، أكدوا من خلالها على أن “ولاية بيروت” هي قسم من أرض إسرائيل، أمثال جاكوبوس مؤلف كتاب أرض إسرائيل، حيث اعتبر جبل لبنان أنه الحدود الشمالية للكيان المحتل.
عدم قدرة الإحتلال على الوصول إلى مبتغى السيطرة على الليطاني ونهر الأردن، وبناء حلم توليد الطاقة الكهربائية من المياه عن طريق إقامة مساقط وشلالات لمياه الليطاني واليرموك، دفع بإسرائيل إلى القيام بأي كان، لزعزعة أمن منطقة الليطاني، علمًا أن مخططات المؤسسين الصهاينة لا تزال نصب أعين القادة، الذين يحاولون تحقيق هذه الأهداف.
د. عماد الباشا، وهو مؤرّخ تاريخي، يروي عبر “لبنان 24” ضراوة المعارك التي قادتها الحركة الصهيونية، إذ يشير خلال حديثه إلى أنّ هذه الحركة بدأت بالاستفادة فعليًا من مياه الليطاني عام 1943، وهذا ما ترافق مع وضع المهندس لودر ميلك كتابا بعنوان “فلسطين أرض الميعاد”، اعتُبر آنذاك بمثابة “دستور اليهود المائي”، الذي لحظ الإستيلاء على مياه الليطاني، وأُرفق بدراسات ومشاريع تناولت ضمّ مياه الليطاني بالكامل، حيث خلص بن غوريون عام 1955 وتحديدًا في الرابع عشر من شباط إلى القول بأن إسرائيل تخوض معركة مياه مع العرب، وبرسالة أخرى إلى ديغول عام 1967، أكد بن غوريون على حلمه المستقبلي وهو جعل الليطاني حدود “إسرائيل الشمالية”.
الحاضر المرتبط بالماضي
ومنذ أوّل نقطة ضخٍ استثمرت داخل إسرائيل من الليطاني، تابع الإسرائيلي سلسلة استهدافاته لكافة المنشآت المرتبطة بالنهر، وصولاً إلى محطة الوزاني، الشرارة الجديدة التي يرى المتابعون من خلالها فرصة لإسرائيل، لفتح معركة الحقوق المائية على مصراعيها من جديد.
فللمرة الثانية منذ عام 2006، تقصف إسرائيل محطة الوزاني في الجنوب، وسط حرب الجبهة الجنوبية المساندة لجبهة غزة.
استهداف الوزاني حسب المعنيين لا يوصف بالأمر البريء إذ إنّ إسرائيل تقصدت البدء بقصف الآبار الصغيرة التي يستفيد منها مزارعو الجنوب، لحدّ الوصول إلى البنى التحتية العامة، ومن بينها محطة الوزاني، التي تغذّي عددا كبيرا من القرى والبلدات في أقضية مرجعيون وبنت جبيل وصور، ما خلّف دمارًا كبيرا بالمحطة أخرجها عن الخدمة، إذ إنّ إعادة تأهيلها تتطلب مئات الآلاف من الدولارات.
ومن هنا لا ضيم بالقول أن استهداف العدو للمحطة، واستغلال الفرصة التي تعتبر جوهرية بالنسبة إليه، دفعه إلى أن يخطو خطوة إلى الأمام، عبر منع لبنان من استغلال مياهه، من خلال توقيف محركات المحطة، خاصةً، وأن الضربة كانت دقيقة بشكل كامل، وتظهر المتابعة الميدانية أن عملية الإستهداف نفّذت لتعطّل عمل المحطة بالذات، ولم تكن أبدًا استهدافًا لمواقع حزب الله، خاصةً وأن المصادر تؤكّد لـ”لبنان 24″ على أن عملية الإستهداف أتت قبل توسيع إسرائيل نطاق حربها في العمق الجنوبي، وهذا ما يؤكّد فرضية أن ما قام به الإحتلال ما هو إلا من قبيل تعطيل عمل المحطة فقط؛ الأمر الذي يؤكّدة المدير العام لمؤسسة مياه الجنوبي وسيم ضاهر، الذي أشار خلال اتصال مع “لبنان 24” إلى أن العدو يحاول بشتى الوسائل استهداف المنشآت الحيوية، ومن ضمن بنك أهدافه تأتي محطة الوزاني، إذ يحاول أن يحرم لبنان من حقوقه المائية الكاملة، علمًا أنّه لا يوجد أي حقّ لهذا الكيان، ولا بمتر واحد من المياه.
ويؤكّد ضاهر على أن العدو اليوم استطاع أن يصل إلى هدفه، ألا وهو إخراج المحطة بشكل كاملٍ عن العمل، علمًا أن المحطة تغذي ما بين 20 إلى 30 بلدة، وتصليح الأضرار الحاصلة في الوقت الحالي يقدّر بمئات الآلاف.
ولفت ضاهر خلال حديثه إلى أن الصليب الأحمر الدولي قد عرض عملية إعادة تأهيل المحطة، خاصةً وأن هذه الجهة هي التي كانت مسؤولة عن المحطة خلال الثلاث سنوات الماضية، وهذا ما قد يمكّننا من الكشف عن الاضرار النهائية بشكلٍ كامل، إذ لا إمكانية لإحصائها اليوم، نظرًا إلى أن المنطقة لا تزال معرضة للإستهداف.
من ناحية أخرى، يؤكّد ضاهر أن إسرائيل أوصلت رسالتها والتي تتلخص بأنّ لبنان لا يمكن أن يستكمل مشاريع تطوير المحطة لسحب كميات أكبر من المياه؛ فالكيان سيستكمل أفعاله الإجرامية لمنع الوصول بشكل كامل إلى مياه الوزاني والحاصباني، خاصة وأنها تغذي مرجعيون وبنت جبيل وأعالي صور.
لبنان يتفرج على حقوقه
حسب الدراسات، فإن عام 2050 سيكون العام الأصعب لناحية تأمين المياه في المنطقة، وذلك وفق بيانات عديدة، تشير إلى أن أن تبدّل المناخ في العالم أجمع، وبالأخص في الشرق نسبة إلى كمية التلوث الكبيرة من شأنه أن يضع الدول العربية، ومن ضمنها فلسطين المحتلة، أمام تحدٍ كبير لتأمين المياه، ومن هنا أكد رئيس مؤسسة مياه الجنوبي وسيم ضاهر، خلال مؤتمرات سابقة على حقّ لبنان باستثمار مياه الوزاني والحاصباني، علمًا أن كمية المياه المستثمرة حاليًا حسب أرقامٍ حصل عليها “لبنان 24” لا تشكل إلا نقطة في بحر حقوق لبنان. فعام 2002، إبّان قرار الحكومة اللبنانية آنذاك بضخّ أربعة ملايين متر مكعب سنويا من مياه الحاصباني والوزاني، جوبه بحملة كبيرة، برّرت آنذاك بالخوف من الحرب الإسرائيلية، إلا أن الأرقام تؤكّد اليوم أن حقوق لبنان من كمية المياه تقدّر فوق الأرض وتحتها حسب ضاهر في حوض النهرين بـ 450 مليون متر مكعب، اعترفت الدولة بقرابة 130 مليون متر مكعب، بينما الاستفادة الحقيقية قد لا تتعدى 2.5 مليون متر مكعب.
وختامًا، دعا ضاهر السلطة التنفيذية لأخذ القرار ببناء محطة الوزاني، وتأمين الدعم اللازم، علمًا أن الخرائط موجودة، وهذا ما سيسمح بالاستفادة من 12 مليون متر مكعب، أضف إلى خرائط أخرى تسمح بالاستفادة من 35 مليون متر مكعب.