قبيل أيام جالت مديرة مكتب وكالة “الأونروا” في لبنان على عدد من المسؤولين مطلقة تحذيراً جديداً من مغبة المخاطر المرتقبة في آذار المقبل إذا ما سرى كلياً قرار أكثر من 16 دولة مانحة بتجميد تمويلها للوكالة، وانعكاسات تلك الخطوة على أنشطة الوكالة وتقديماتها لغوث اللاجئين الفلسطينين في لبنان.
وزيادة في منسوب المخاطر الناجمة عن هذا القرار الذي تبنته الولايات المتحدة بعيد وقت قصير على اتهام أولي وجّهته السلطات الاسرائيلية للوكالة تحت عنوان أن 12 موظفاً في الوكالة في غزة محاصرون بشبهة المشاركة في الانشطة والعمليات العسكرية التي نفذتها حركة “حماس” في غزة في 7 تشرين الأول الماضي، وما لبثت دول عدة في مقدمها بريطانيا أن حذت حذو واشنطن وجمّدت تمويلها للأونروا المستمر منذ إطلاقها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949، نبهت المديرة من أنه ليس لدى الوكالة أي خطة بديلة لما بعد آذار المقبل إذا مضت الدول المانحة قدماً في قرار وقف التمويل للوكالة. وإذ تمنّت أن تعيد هذه الدول النظر بخطوتها حذرت من أن مكتب الوكالة في بيروت قد لا يتمكن بالفعل من تمويل أعمال الاغاثة المتنوعة التي دأب على تقديمها بلا انقطاع منذ 75 عاماً لنحو 65 بالمئة من عديد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لا ريب في أن المسؤولة الأممية كانت تعلم سلفاً أن تحذيراتها من إيقاف أنشطة “الأونروا” على أوضاع اللاجئين في لبنان والتي يستفيد منها نحو 250 ألف لاجئ، ليست جديدة على أسماع المعنيين وليست غائبة عنهم فهي تتردد منذ الايام الاولى لفتح واشنطن باب تجميد التمويل ولحقتها الدول الاخرى الممولة، لكن هذه المسؤولة قد برأت ذمتها ربما للمرة الاخيرة قبل وقوع الكارثة وقامت بما يجب عليها طارقة جدران المسؤولين وأسماعهم عسى أن يشاركوها الصرخة والتبعة قبل تطبيق قرار وقف التمويل وقبل أن تطبق المأساة على اللاجئين المستفيدين من تقديمات الوكالة في لبنان.
في معلومات مستقاة من مصادر معنية بشؤون اللاجئين فإن تقديمات الوكالة تشكل مورداً أساسياً لهؤلاء اللاجئين الذين أجبرهم الاحتلال الاسرائيلي على النزوح القسري من بلداتهم المحاذية للبنان وهي المنطقة المعروفة حالياً بالشمال الاسرائيلي أو “الجليل الاعلى المحتل” وهو التعبير الاحب على آذان اللاجئين. ووفق المصادر نفسها فإن إنفاذ قرار تجميد التمويل سيفاقم معاناة اللاجئين خصوصاً أنهم يعانون كما سائر اللبنانيين من تداعيات الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي عصفت بلبنان منذ نحو أربعة أعوام. ومنذ ذلك الحين رفع النازحون أصواتهم شاكين تآكل قيمة تقديمات الوكالة ولا سيما أنها اقترنت بتقليص تدريجي من الوكالة نفسها لتلك التقديمات تحت عناوين شتى في مقدمها تقليص الدول المانحة حصّتها التمويلية للوكالة.
ووفق المصادر عينها فإن المسجلين على لوائح الوكالة في لبنان كـ”لاجئي الـ48″ يبلغ أكثر من 550 ألف لاجئ، لكن عدد المستفيدين الحاليين من تقديمات الوكالة لا يتعدى 250 ألفاً ينتشرون في 12 مخيماً رسمياً على طول الجغرافيا اللبنانية.
وحسب المصادر فإن إدارة الوكالة المركزية في نيويورك ترصد لفرعها في لبنان ميزانية سنوية تقدّر بـ160 مليون دولار وتصرف عادة على نفقات الطبابة والتعليم والمساعدات النقدية والقروض. وإذا قورن هذا المبلغ بالمستفيدين المسجلين وبالوضع الاجتماعي في لبنان أخيراً فإنه يتبدى زهيداً وليس على مستوى متطلبات اللاجئين.
ويعتبر فتحي كليب عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين”، المكلف من الجبهة بمتابعة ملف الاونروا في لبنان وله دراسات عدة في هذا الاطار، أن “قرار تعليق تمويل الأونروا هو قرار سياسي بامتياز وهو عقاب جماعي للاجئين الفلسطينيين أينما كانوا نتيجة “جرم” لم يثبت بعد حدوثه أصلاً، وهو أيضاً ابتزاز واضح”. ويقول كليب لـ”النهار”: “بعيداً عن خلفيات الاستهداف وتداعياته على قضية اللاجئين وحق العودة، فإن من شأن عدم تراجع الدول المانحة عن قرار التجميد لفترة طويلة أن يترك انعكاسات سلبية على معيشة الملايين من اللاجئين يعتمد غالبيتهم بشكل كامل على تقديمات الوكالة في مجالات المعيشة والتعليم والصحة لذا لا نبالغ إذا قلنا إن ذلك القرار يشكل حكم إعدام للمرضى الذن يتلقون مساعدات منقذة لهم ودعوة للطلبة لهجرة مقاعدهم بل إنه دعوة صريحة لموجة فوضى عارمة في مجتمعات اللاجئين أينما حلوا”.
وعن الانعكسات المحتملة لهذ الفعل على أوضاع اللاجئين في لبنان أجاب كليب: “لا بد من الاشارة الى أنه ليس هناك من جهة أو مؤسسة لبنانية أو فلسطينية أو أممية قادرة على التعويض عن تقديمات الأونروا. وهو واقع معلوم من شأنه أن يجعل اللاجئين في لبنان أكثر التجمعات تأثراً بإجراءات الدول المانحة. فحسب معطيات بين أيدينا فإن عدد الطلبة في مدارس الأونروا ومراكز التدريب التابعة لها في لبنان يبلغ 39 ألف طالب يتوزعون على نحو67 مدرسة ومعهداً ستكون مرشحة للإقفال. أما عدد مراكز الوكالة الصحية في لبنان فهو 27 مركزاً تستقبل سنوياً أكثر من 200 ألف زيارة ويتلقى المرضى رعاية صحية أولية ويعطون الأدوية الضرورية. ولقد أبلغت الوكالة المتابعين أن غالبية المستفيدين من خدمات وتقديمات هذه المراكز الصحية هم من النسوة والأطفال الذين يعانون من الأمراض المزمنة وليس لديهم القدرة على الذهاب الى مراكز طبية أخرى غيرها إذا ما أقفلت الوكالة تلك المراكز. فضلاً عن أن الوكالة تتقاسم مع اللاجئين بعض تكاليف المستشفيات وتصل مساهمات الوكالة في هذا المجال أحياناً الى 60 بالمئة من قيمة النفقات. ومن باب العلم فإن هناك أكثر من 600 مريض سرطان يعتمدون على مساعدات “الأونروا”.
وعلى مستوى الصحة البيئية يضيف كليب فإن الوكالة تدفع نفقات جامعي النفايات من كل مخيمات اللاجئين التي يسكنها حالياً نحو مئة ألف لاجئ. لذا فإن توقف الوكالة عن هذا التقديم سيكون بمثابة كارثة بيئية على كل المخيّمات.
ويشير كليب أيضاً الى انعكاس سلبي آخر على اللاجئين إذا ما استمر قرار الدول المانحة بتجميد تمويل الوكالة ويتمثل في توقف أكيد لقرار سبق أن اتخذته الوكالة قبل 3 أعوام بعد تفاقم الازمة الاجتماعية في لبنان وانهيار قيمة العملة اللبنانية، بتقديم مساعدات نقدية متواضعة للاجئين الذين صنفوا بـ”الأكثر فقراً” وهم شريحة كبيرة من مجتمع اللاجئين. لذا فإن هؤلاء سيحرمون حتماً من هذه المساعدة”. ويشير كليب أيضاً الى أن من شأن قرار الدول المانحة أن يهدد نحو 3500 موظف في الوكالة يقدمون خدمات التعليم والطبابة والإغاثة الاجتماعية في 12 مخيماً إضافة الى تجمعات للاجئين في مخيمات غير مسجلة. وهؤلاء مرشحون حتماً لفقدان وظائفهم واستقرارهم الاجتماعي.
وخلص كليب الى “أن ما يحدث هو أشبه بالحرب الاقتصادية تنفذ على اللاجئين، في موازاة العدوان الاسرائيلي على غزة. وهي حرب تتطلب إجراءات وتحرّكاً مضاداً وعاجلاً على المستوى الفلسطيني والدول العربية المضيفة للاجئين التي تعتبر أكثر المتأثرين سلباً بالقرارات الغربية”.
“النهار”- ابراهيم بيرم