على قاعدة فالج لا تعالج، يبدو انّ الاتحاد والبرلمان الأوروبيين ليسا في صدد إجراء أي تعديل جوهري على موقفهما المتعنت والمعارض لعودة النازحين السوريين، الذين يستضيفهم لبنان، الى بلادهم، على الرغم من كل المناشدات اللبنانية بوجوب تغيير المقاربة الاوروبية لهذا الملف.
صحيح انّ المسؤولين في هاتين المؤسستين الاوروبيتين باتوا أكثر تفهماً للواقع اللبناني الصعب وللأعباء التي يرتّبها النزوح على الشعب المرهق والدولة المستنزفة، الا ان هذا التفهم بقي في الإطار النظري ولم يَرق بعد الى مستوى مراجعة السياسات النافرة المعتمدة حيال هذه القضية، على حساب مصالح لبنان ومقومات وجوده.
وكشفت شخصيات نيابية زارت بروكسل اخيراً انّ مسؤولي الاتحاد والبرلمان الاوروبيين يعتبرون ان التوقيت المناسب لعودة النازحين لم يَحن بعد على الرغم من تبدّل الظروف في سوريا وتفاقم الأعباء على لبنان، وهم ألمحوا خلال لقاءاتهم مع زوارهم اللبنانيين الى انّ المطلوب من الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أن يتم إعطاء الضوء الأخضر للعودة، تنفيذ أمور ملحة من بينها تعديلات دستورية، فقيل لهم ان لا علاقة للبنان بالوضع الداخلي السوري وانه لا يجب تحميله تبعات مسألة لا شأن له بها.
والمفارقة، انّ الاوروبيين بَدوا وكأنهم يستثمرون أزمة الشغور الرئاسي والمواجهة المندلعة في الجنوب، حتى «يُعلّموا» على اللبنانيين ويضعوا ملف النزوح في أسفل سلم أولويات المرحلة الراهنة، إذ ان بعض الشخصيات الاوروبية لفتت انتباه الزوار اللبنانيين الى انّ الأساس الآن هو ان «تركّزوا على انتخاب رئيس الجمهورية وإبعاد شبح الحرب الواسعة بين «حزب الله» وإسرائيل ثم تأتي قضية النازحين».
كما أنّ هناك في الاوساط الاوروبية مَن اعتبر انه لا يجوز تحميل مسؤولية كل الازمات والمشكلات التي يعانيها لبنان للنازحين السوريين.
والأسوأ، انّ المقاربة الاوروبية لتحدي النزوح السوري تنطلق من فرضية مغلوطة اساساً، وتفيد بأنّ العدد الذي يستضيفه لبنان هو 850 الفاً فقط، فجرى إبلاغهم ان العدد الحقيقي يفوق المليونين، وانّ 80 بالمئة من هؤلاء هم نازحون اقتصاديون يستفيدون من المساعدات الدولية التي يحصلون عليها في لبنان ويواظبون في الوقت نفسه على زيارة سوريا بشكل متكرر لأسباب شتى، ما ينزع عنهم صفة اللجوء.
وسمع الاوروبيون تحذيرا واضحا من انّ هناك حدودا لقدرة السلطة اللبنانية على ضبط قوارب الهجرة عبر البحر، وانه من غير المستبعد ان ترتفع مُستقبلاً موجة المهاجرين السوريين الى أوروبا وسط المصاعب التي تعترض محاولات احتوائها.
كذلك، قيل للاوروبيين انّ ضبط الحدود البرية لمنع تَسرّب النازحين عبرها يحتاج إلى زيادة المساعدات للجيش اللبناني حتى يستطيع تأدية دوره بالفعالية المطلوبة على هذا الصعيد.
ودعت الشخصيات النيابية الزائرة مضيفيها الاوروبيين الى وقف منح المساعدات المالية للنازحين في لبنان وإعطائها لهم في سوريا بعد رجوعهم اليها، عارِضةً التأثيرات السلبية الكبيرة لوجودهم على معدلات الجريمة التي ارتفعت وعلى نسبة البطالة التي ازدادت في المجتمع، الى جانب الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة في التفاقم.
وضمن سياق آخر يتصل بالتحديات التي تواجه الدولة واللاجئين الفلسطينيين على اراضيها جرّاء تعليق عدد من الدول المانحة مساعداتها لوكالة الاونروا، أكدت الجهات الاوروبية لضيوفها انه لا يوجد بديل عن الاونروا المعنية برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، لافتة إلى انّ دولاً أوروبية ستسعى الى سد النقص الناتج عن وقف بعض الدول الدعم المادي، لكنها اوضحت انّ التمويل البديل سيترافق على الأرجح مع تشدد في الرقابة على الوكالة.
الجمهورية