كانت “موجة”، بعد ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، تحرّم التعاطي مع السياسيّين. وكان شعار “كلّن يعني كلّن”، وهو غوغائي، وصرنا نُشتَم إن عُثِرَ على صورةٍ لنا تجمعنا بسياسي. علماً أنّ هؤلاء السياسيّين انتخبهم الناس. لا تنتخبوهم، فلا نلتقيهم ولا نلتقط الصور معهم.
تراجعت هذه “الموجة”، ومن وجوهها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أعطى أصحابها لأنفسهم حقّ تصنيف من هو فاسد ومن هو صالح. وأعطت انتخابات العام ٢٠٢٢ شرعيّةً لبعض من كان يُشتَم، بينما تُوجَّه انتقادات الى من وصلوا الى المجلس النيابي تحت جناح “الثورة”، وبدوا عاجزين عن تحقيق خرقٍ في “السيستم” القائم. زد على ذلك أنّ النقابات التي تشكّلت انطلاقاً من شعار “النقابة تنتفض” فشلت جميعها، وما حقّقت التغيير ولا نجحت في الإصلاح. صراخٌ و”هَوْبَرة” ووعودٌ، ولا إنجازات.
لا يعطي ما سبق صكّ براءة لمن تولّوا، من أحزابٍ وتيّاراتٍ سياسيّة، مناصب رفيعة، فكانوا فاشلين بمعظمهم. أحتار، على سبيل المثال، في كيفيّة اختيار النائب جبران باسيل لبعض من سلّمهم مناصب وزاريّة أو إداريّة. نتيجة ما حقّقه هؤلاء “تعتير”. لم يعكس أحدهم الصورة التي أراد باسيل أن يعطيها لنفسه: الرجل الذي لا ينام. نام هؤلاء و”كتّروا”.
وما لا يعرفه الناس أنّ غالبيّة السياسيّين الذين يؤيّدونهم يحترفون الكذب. قبل مقابلةٍ ما، على سبيل المثال، يعطي السياسي رأيه في مسألةٍ تعود وتسأله عنها على الهواء، فيعطيك جواباً مختلفاً. وقبل الانتخابات، يطلب بعض السياسيّين أن تسألهم عن مسألةٍ معيّنة، ويبرّرون ذلك بعبارة “بدنا نجيّش” أو “بدنا نشدّ العصب”. هكذا يتحوّل الناس، وهم غالباً يحملون صورةً غنميّة بالنسبة الى الكثير من السياسيّين، الى وقودٍ في معارك وهميّة هدفها الوصول الى المنصب.
وكم سمعت، على لسان أكثر من سياسي، عبارات مهينة بحقّ الناس الذين انتخبوهم. ومن حقّ السياسي أن يهين من يحمله على أكتافه ويهتف له “بالدم، بالروح”. يتحوّل الغنم هنا الى حميرٍ!
نقول ما سبق كلّه لنشدّد على أنّ التغيير لا يكون بالشتم، ولا بتكريس ثقافة “كلّن يعني كلّن”. البداية بأن نختار ألا نكون غنماً، ولا، بالتأكيد، حميراً. وعندما يحين أوان الانتخابات النيابيّة فلنحسِن الانتخاب. والى ذلك الحين، كفّوا عن السجالات التافهة دفاعاً عن سياسيّين يستغلّون… سذاجتكم!
داني حداد -موقع mtv