عزة الحاج حسن – المدن
لا يحتاج التجار في لبنان إلى أسباب حقيقية أو علمية لرفع أسعار منتجاتهم. فالأسعار ترتفع بالمواسم على مزاج كبار التجار وصغارهم. فتصعد أسعار المستلزمات المدرسية في موسم المدارس على سبيل المثال، وتحلّق أسعار المواد الغذائية مع بدء الصوم، كما ترتفع أسعار مستلزمات الأعياد والأعراس وكل ما يرتبط بالمواسم، بلا أسباب منطقية سوى جني مزيد من الأرباح.
وكل ما يُحكى عن أسباب ترتبط بالاستيراد والشحن والعملة والأزمة.. ليست سوى ذرائع يتخذها التجار لتبرير رفعهم العشوائي للأسعار مع بداية كل موسم. اليوم، عشية شهر رمضان، تشهد الأسواق التجارية ارتفاعات متفاوتة بأسعار المواد الغذائية، ما يثبت عشوائية التسعير وغياب الرقابة الفاعلة.
واقع الغلاء
تتفاوت نسب ارتفاع الأسعار بين المناطق وبين المتاجر وحتى صغرى المحلات التجارية. وفي حين كان سعر كيلو لحم البقر على سبيل المثال بنحو 900 ألف ليرة مؤخراً، بات يتراوح اليوم بين مليون ليرة ومليون و500 ألف ليرة في بيروت. أما الخضار، فقد ارتفعت أسعارها بشكل لافت، وعاد كيلو البندورة مثلاً إلى مستوى 100 ألف ليرة، بعد أن كان قد تراجع مؤخراً إلى مستوى 60 ألف ليرة. ومثلها كافة أنواع الخضار، حتى البطاطا التي سبق أن وصل سعر الكيلو منها إلى نحو 30 و35 ألف ليرة، عادت وارتفعت إلى محيط 70 ألف ليرة للكيلو الواحد.
كما تتفاوت أسعار مواد غذائية بين المتاجر ومنها سبينس وسوبرماركت التوفير وHappy والمتاجر الصغيرة، فتزيد أو تنقص حسب المتجر. ما يطرح تساؤلات حول آلية التسعير ومدى صدقية الحديث عن تبريرات رفع الأسعار المرتبطة بسلاسل التوريد.
وتثبت الأرقام الرسمية لمعدلات التضخم السنوي الفوضى الواقعة في الأسواق التجارية، وغياب الرقابة وضوابط التسعير. فعلى الرغم من استقرار سعر صرف الدولار منذ أشهر، تشهد معدلات التضخم ارتفاعات متتالية من دون توقف. وحسب أرقام مديرية الإحصاء المركزي، بلغ معدل التضخم السنوي للعام 2023 قرابة 221 في المئة.
تبرير غلاء الأسعار
منذ بدء الحرب في غزة وجنوب لبنان وانعكاسها على سلاسل التوريد عبر البحر الأحمر، باشر التجار في التلميح إلى تأثر عمليات الاستيراد، تمهيداً لرفع الأسعار. ومنذ ذلك الحين، يردد متحدثون باسم المستوردين وكبار التجار بأن اسعارالمواد الغذائية قد ترتفع بمعدل لا يزيد عن 10 في المئة، فيما لو استمرت المخاطر الأمنية في البحر الأحمر، وطال أمد عمليات شحن البضائع عبر رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، بدلاً من المرور عبر باب المندب.
تلك التلميحات والتبريرات لرفع أسعار المنتجات الغذائية دائماً ما كان يدحضها خبراء في الملاحة الدولية، الذين يؤكدون أن عمليات استيراد البضائع في لبنان تتم بغالبيتها الساحقة عبر البحر المتوسط، لاسيما من تركيا وبعض الدول الأوروبية. وبالتالي، تبلغ عمليات الاستيراد عبر البحر الأحمر نسباً ضئيلة من السوق الاستهلاكية المحلية. بمعنى آخر، لا يتاثر لبنان كما باقي الدول بالمخاطر الأمنية المحدقة بالبحر الأحمر.
أما ما يرسّخ فكرة فوضى التسعير وعدم شفافية تبريرها، فهي الذرائع التي يطلقها بعض التجار. فمنها ما يرتبط برواتب القطاع العام التي لم يتم صرفها بالكامل حتى اللحظة. وفي حديث مع عدد من أصحاب المحال التجارية، تتفاوت تبريرات ارتفاع الأسعار. فمنهم من يرمي باللوم على كبار التجار والمستوردين. ومنهم من يحاول ترجمة فوارق الأسعار بالاقتصاد، فيرمي المسؤولية على الأزمة المالية وضخ الليرات لتمويل رواتب الموظفين، وغير ذلك من الحديث غير المستند إلى أي أسس منطقية.
باختصار جولة قصيرة في الأسواق التجارية تكفي لحسم مسألة الخراب الواقع في آليات التسعير، والتأكد من أن أسعار المواد الاستهلاكية -لاسيما الغذائية منها- باتت تفوق مثيلاتها قبل الأزمة عام 2019 رغم دولرتها. فمنقوشة الزعتر التي لم يتجاوز سعرها نصف دولار (750 ليرة) قبل الأزمة بات سعرها اليوم يفوق الدولار ونصف الدولار (150 ألف ليرة) وينسحب ذلك على الغالبية الساحقة من المواد الغذائية.
الرقابة الغائبة
لم يعد الحديث عن رقابة وزارة الاقتصاد بالأمر المجدي. فالجميع يعلم أن الرقابة باتت شبه مستحيلة، في وزارة تفتقد لكوادر بشرية كافية لتغطية المناطق اللبنانية. وهي الوزارة التي يصر وزيرها على أن الأسواق مضبوطة والتجار يحسبون ألف حساب لضبط مخالفاتهم. وحسب مصدر من وزارة الاقتصاد، فارتفاع الأسعار أمر طبيعي في المرحلة الراهنة، على أن لا يتعدى 8 إلى 10 في المئة.
ويقول المصدر ان الوزارة عاجزة عن مراقبة كافة المحال، لكنها تعمل على مراقبة المستوردين وكبرى المتاجر. وهو أمر يدعو إلى الاستغراب، لاسيما أن التفاوت بالأسعار واضح للعيان ولا يحتاج إلى الكثير من التدقيق.