وضعت وزارة الخزانة الأميركية لبنان تحت مجهر المراقبة، حيال حركة الأموال والتحويلات التي تحصل بطريقة غير شرعيّة، وحذّرت السلطات اللبنانية من خطر «استخدام القطاع المالي لتمويل حركة (حماس) بما يعزز أنشطتها العسكرية والأمنية».
ولهذه الغاية، زار مسؤول بارز في «الخزانة الأميركية» بيروت الأسبوع الماضي، والتقى مسؤولين لبنانيين وبحث معهم مخاوف بلاده من «نقل الأموال إلى (حماس) عبر الأراضي اللبنانية».
وأكد مسؤول كبير في مصرف لبنان المركزي لـ«الشرق الاوسط»، أن جيسي بيكر، نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية، التقى يومي الخميس والجمعة الماضيين، مسؤولين لبنانيين بينهم حاكم مصرف لبنان الدكتور وسيم منصوري، وبحث معهم «تعقب الخزانة الأميركية لآليات تمويل حماس خصوصاً بعد حرب غزّة». وأكد المسؤول في البنك المركزي لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة بيكر والوفد تأتي ضمن جولة له على عدد من دول المنطقة، وتهدف إلى إيصال رسائل واضحة بالاهتمام الذي توليه الإدارة الأميركية لتتبع حركة الأموال عبر مؤسسات مالية غير شرعيّة وضرورة مكافحتها».
وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، إن «القطاع المصرفي اللبناني ليس له أي دور في عمليات التمويل المزعومة، وإن تركيز الوفد الأميركي ينصبّ على المؤسسات المالية من خارج المصارف، وهي مؤسسات تعمل بطريقة غير شرعية»، مشيراً إلى أن «النظام المصرفي اللبناني يلتزم التزاماً كاملاً بالقوانين الدولية، ويتجنّب الدخول بأي عمل من شأنه أن يعرضه للعقوبات الأميركية أو الأوروبية، والأميركيون يعرفون تماماً أن مصرف لبنان يطبق هذه القوانين إلى أبعد الحدود، ويسهر على اتباع القطاع المصرفي أعلى المعايير القانونية السليمة».
وكانت وكالة الأنباء «المركزية» اللبنانية أفادت الاثنين، بأن وفداً من وزارة الخزانة الأميركية عقد في مجلس النواب لقاءً بعيداً عن الإعلام مع رئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني إبراهيم كنعان، والنواب فؤاد مخزومي، وغسان حاصباني وغادة أيوب. كما اجتمع الوفد بحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في مكتبه. ولم تحدد موعد اللقاء.
وأفادت وكالة «رويترز» بأن نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط جيسي بيكر، أبلغ السلطات اللبنانية بـ«مخاوف محددة، بشأن حركة أموال (حماس) عبر لبنان، وأموال (حزب الله) المقبلة من إيران إلى لبنان، ثمّ إلى مناطق إقليمية أخرى»، داعياً إلى «إجراءات استباقية لمكافحتها». وأشار المسؤول الأميركي إلى أن «الجماعات تحتاج إلى تدفق الأموال لدفع رواتب مقاتليها، والقيام بعمليات عسكرية ولا يمكنها تحقيق أهدافها بطريقة أخرى». وذكّر بأنّ «امتثال لبنان للمعايير العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات من الولايات المتحدة، وبقية العالم وإخراج البلاد من أزمتها التي طال أمدها».
إجراءات عادية
وتباينت القراءات السياسية والقانونية لجهة اهتمام واشنطن بالواقع اللبناني في ذروة المواجهة مع إسرائيل، وقلل وزير العدل الأسبق البروفسور إبراهيم نجّار، من خطورة هذه الإجراءات الأميركية، وعدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، زيارة المسؤول الأميركي لبيروت «تأتي في سياق الإجراءات العادية التي تتبعها وزارة الخزانة الأميركية، لمنع الالتفاف على العقوبات التي تفرضها على حركة (حماس) وعلى (حزب الله) والحرس الثوري الإيراني، وما حصل هو بمثابة موجب حثّ السلطات اللبنانية، لا سيما وزارة الداخلية والنيابة العامة التمييزية والأمن العام، على تتبّع وملاحقة أي أنشطة تتعارض مع القانون الدولي»، عادّاً «مجيء الوفد الأميركي إلى بيروت عاملاً إيجابياً للبنان، ودليلاً على اهتمام أميركي بتحييد الدولة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي عن خطر الوقوع في هذه الأنشطة».
واستأثرت محادثات بيكر في بيروت أيضاً على معلومات متوفرة لوزارة الخزانة، تتحدث عن «نقل أموال طائلة من إيران إلى سوريا ثم لبنان، ومنه إلى حركة (حماس)، سواء عبر البرّ أو بواسطة تحويلات تعتمدها مؤسسات صرافة غير شرعية».
وعلمت «الشرق الأوسط»، من مصادر واكبت زيارة بيكر إلى بيروت، أن المسؤولين اللبنانيين أكدوا للمسؤول الأميركي، أنه «يستحيل أن تحصل عمليات نقل أموال من لبنان إلى حركة (حماس) في غزة، لعدم وجود حدود برية بين لبنان وغزّة». وأشارت إلى أن «تهريب هذه الأموال جواً صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، إذ إن نقل ملايين الدولارات يخضع للرقابة الشديدة، ويحتاج إلى تصريح مسبق لا يمكن أن تعطيه السلطات اللبنانية لأحد».
رسالة أميركية
من جهته، عدّ الدكتور رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري والأمني (إنيغما)، أن الرسالة الأميركية للبنان «تأتي في سياق الجهد الذي تبذله واشنطن لتقليص قدرات (حماس) إلى حدّ كبير». وأكد قهوجي لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعقب (حماس) لا ينحصر فقط في القدرات العسكرية، بل المالية؛ من أي جهة أتت هذه الأموال؟»، مشيراً إلى أن «تحذير لبنان من أي دور له في تمويل (حماس)، مردّه لكون (حزب الله) المتحالف مع (حماس) موجود في لبنان، ولأن الحزب يحتضن قيادة الحركة العسكرية خارج غزّة، ومن الطبيعي أن تثار شكوك حول تلقي (حماس) أموالاً عبر لبنان». ورأى أن «التوقيت يصبّ في سياق محاولات التضييق على الحركة وإنهائها».
وقال قهوجي: «لبنان يتعرض لمزيد من الضغوط الدولية كلما ارتفع التوتر مع إيران بالمنطقة، وهو يتأثر سلباً بها».
يوسف دياب -“الشرق الأوسط”