اللواء ابراهيم : “على من تتلو مزاميرك يا داود
ألقى اللواء عباس ابراهيم كلمة خلال مؤتمر “القرار 1701 والاستراتيجية الدفاعية الوطنية”، الذي نظمته كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة أشار فيها الى ان “الحدود التي تفصل لبنان عن فلسطين المحتلة هي حدود ملتهبة منذ مئة عام، لا تتوقف نيرانها عن الاشتعال وإحراق كل سلم وأمن واستقرار”.
وأوضح، انه “منذ إقرار الانتداب الفرنسي على لبنان، والانتداب البريطاني على فلسطين، ثم الفصل بين حدود الانتدابين بين عامَي 1920 و1923، وهي الحدود التي صارت لاحقاً الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ونحن مهددون من جهة الجنوب، جهة القلب. ومع قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، عام 1948، بأهدافها التوسعية وحدودها غير النهائية ونواياها الخبيثة تجاه جيرانها كلهم دون استثناء. ونحن، وطناً وشعباً ودولةً وجيشاً ومؤسسات، نرزح تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية التي لم تتوقف قولاً وفعلاً، وما أكثر الشواهد على ما أقول وهي غير خافية على أحد”.
وأضاف ابراهيم، “في لبنان، لطالما كان سلاحنا في وجه تلك الاعتداءات هو الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وهو سلاح امتشقناه بكامل إرادتنا الوطنية وتحصنا به ظناً منا أن المجتمع الدولي سيحمينا وسيردع إسرائيل. لكن ظنا هذا ما انفك يخيب عند كل اعتداء إسرائيلي علينا وعلى جيراننا. فإسرائيل منذ قيامها والاعتراف بها من قبل غالبية الدول المنضوية في هيئة الأمم ومجلس الأمن، وهي تضرب بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط. فلم تلتزم باتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949، ولم تطبّق القرار 425 الصادر في 19 آذار 1978 عن مجلس الأمن، والقاضي بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، واحترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته داخل حدوده المعترف بها دولياً، وكذلك فعلت مع القرار 1701 المتخذ بالإجماع في مجلس الأمن قي 11 آب 2006”.
واستكمل، “القرار الذي نص على وقف الأعمال القتالية وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان ونشر قوة إضافية للأمم المتحدة مهمتها مراقبة وقف الأعمال الحربية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وعلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تُعرف بمنطقة جنوب الليطاني وتكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل، لم يلقَ من إسرائيل غير ما تلقاه القرارات الأممية كلها المتعلقة بها منذ قيامها: الاستهتار والخرق وعدم الالتزام وعن سابق إصرار وتصميم”.
وتابع ابراهيم، “لكن الكوميديا السوداء كانت في أن العالم كله صار مهموما بالقرار 1701 اثر انتقال قلة في فلسطين المحتلة الى غير مكان إقامتها. لكن هذا العالم لم يتحرك قيد أنملة ولم يحرك ساكنا فيما إسرائيل تهجّر منذ قيامها عام 1948 على أنقاض فلسطين مئات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والأردنيين والسوريين”.
وأكد، ان “عالمًا يقوم على إزدواجية المعايير يبقى سلامه هشًّا ورهن تغيّر موازين القوى. وهذا ما حصل في 7 أكتوبر يوم عبر الفلسطينيون في أرضهم وعلى أرضهم. والآن استفاق هذا العالم على المأساة الفلسطينية المفتوحة على جراح بدأت تنزف منذ عشرات السنين”. وقال: “فمنذ العام 2006، وطائرات العدو الإسرائيلي تخترق أجواءنا، وتنتهك سيادتنا برّاً وبحراً وجوّاً، وكل يوم يطالعنا الإعلام بخبر أو أكثر عن اعتداءاتها التي لا تتوقف: فيومٌ تخطف راعياً ويومٌ تعتدي على نهر، ويومٌ تجتاز الخط الأزرق، وكل يوم تخترق طائراتها الحربية والاستطلاعية سماءنا وسيادتنا. وهكذا. ثم بعد ذلك تخرج إلى الإعلام والعالم وتطالب بإلزام لبنان بتطبيق القرار 1701، على قاعدة “ضربني وبكى وسبقني واشتكى”.
ولفت ابراهيم الى، انه “في الآونة الأخيرة، ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي بعد عملية “طوفان الأقصى” وشنّ إسرائيل حرباً وحشيةً على قطاع غزة وعلى لبنان، خصوصاً جنوبه الصامد المتضامن قلباً وقالباً مع إخوانه الفلسطينيين، إزاء ما يتعرضون له من حرب إبادة مستمرة منذ خمسة أشهر ونيف، عاد الحديث عن القرار 1701 إلى الواجهة. فمنذ اندلاع الحرب تلك، لم يأتِ إلى لبنان موفد أو وسيط دولي إلا وفي جعبته هذا القرار”.
وقال: “الواقع، أننا في لبنان لا نطرح غير هذا القرار، أي الـ1701، حلّاً للحرب التي تشنّها إسرائيل علينا منذ خمسة أشهر، ولا تراعي فيها أي حرمة أو حقوق أو ميثاق. نعم نحن نريد تطبيق القرار 1701، بل لا نريد إلا تطبيقه، ولكن “على من تتلو مزاميرك يا داود؟”. فإسرائيل دولة صمّاء بكماء وبلا قلب، عيونها صواريخها ورصاصاتها، ويداها طائراتها ودباباتها، والمجتمع الدولي إن لم نقل إنه متواطئ معها فهو في أقل تقدير صامت ساكت لا يحرّك ساكناً. فماذا فعل مجلس الأمن إزاء الخروقات الإسرائيلية للقرار والتي لم تتوقف منذ إقراره وحتى اليوم؟ متى ردع إسرائيل وأين أوقفها عند حدّها؟ ماذا فعل المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول الكبرى، منذ السابع من تشرين الأول، لإيقاف الأعمال العسكرية الوحشية في غزة، ووقف حرب الإبادة التي قارب عدد ضحاياها الـ31 ألف شهيد و72 ألف مصاب غالبيتهم من الأطفال والنساء؟”.
وأردف ابراهيم، “يقولون ان المقاومة في لبنان هي التي بدأت الحرب على إسرائيل إسناداً لأهل غزة ودعماً لهم. حسناً، سأطرح على القائلين ذاك القول السؤال التالي: هل تعرفون ما معنى يهودية الدولة؟ هل تعرفون ماذا تعني؟ ألم تقرأوا التصريحات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ بدء الحرب عن الجهر بتهجير فلسطينيي غزة إلى مصر وفلسطينيي الضفة إلى الأردن والبقية إلى لبنان؟ أما سمعتم بهذا؟ ثم إني أسأل: من يلعب بفسيفساء الشرق الأوسط؟ من يدمّر النسيج العرقي والديني القائم منذ آلاف السنين في هذا الشرق؟ ما معنى أن تقوم دولة يهودية على حدود لبنان، لبنان الأعراق والأديان والطوائف والثقافات والحضارات؟ ما معنى الأحادية عند حدود التنوع والتعدد والحريات الدينية والفكرية؟”.
وأشار الى، ان “نحن بلد مسالم، بلد للتعايش والتفاعل والانفتاح، بلد يتّسع لكل آخر، بلد سلاحه الكلمات والأفكار، بلد أعداؤه الظلم والاضطهاد، وإسرائيل أمّ كل ظلم واضطهاد وعدوان ورفض للآخر و”الأغيار”. نحن المطار والمرفأ والجريدة والكتاب والفندق والمطعم. ولاننا كذلك لن تتركنا إسرائيل ننعم بالسلام والهدوء والسكينة. لن تتركنا نمضي بأمان نحو بناء دولتنا وإعادة بناء ما هدمته”.
وكشف ابراهيم، “نحن لا نريد غير تطبيق الـ1701، ولكن كيف؟ من يفرض على إسرائيل تطبيقه؟ إن الخلل يا سادة ليس في القرار فقد أجمعنا عليه، ولا يُجمع اللبنانيون إلا على ما فيه مصلحة لبنان، ولنا في القرار 1701 كل المصلحة. ولكن على المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه ويفرض تطبيق هذا القرار على جانبي الحدود، ومنع الخروقات الإسرائيلية والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف”.
وختم، “نحن طلاب سلام، لكنه سلام الأقوياء، السلام العادل الذي لا يكون على حساب حقوقنا وأرضنا وسلامتنا وأمننا. نحن طلاب سلام يعيد إلينا حقوقنا كاملةً دون نقصان، سلام نبني في ظله دولتنا ونتعافى في ظله مما أصابنا من انهيارات مالية وغير مالية. إن لبنان معافى مصلحة للبنانيين وقوة للعرب والعالم أجمع. فمتى يتدخل العالم ويوقف إسرائيل عند حدّها؟ متى يفرض المجتمع الدولي تطبيق القرار 1701 على طرفي الحدود؟ متى ننعم بالهدوء والسلام؟”.