ما دامت الهدنة متعثرة في قطاع غزة فإنّ كل الاحتمالات تبقى واردة في لبنان، ولكلّ منها حيثياته ومبرراته، فأين أصبح السباق بينها؟
يُمعن العدو الاسرائيلي في توسيع اعتداءاته على الاراضي اللبنانية، خارج القواعد الناظمة للمواجهة منذ 8 تشرين الأول، وذلك بالترافق مع تصاعد تهديدات مسؤولي العدو بشن حرب واسعة، كان آخرها ما صدر عن وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير الذي دعا بنبرةٍ انفعالية الى شن الحرب الآن، عقب قصف المقاومة مواقع اسرائيلية داخل الجولان المحتل بنحو 100 صاروخ قبل أيام قليلة.
وسبق ذلك تسريبات عن تكليف احد الجنرالات الاسرائيليين بإعداد خطة لهجوم بري، وعن تحديد الاحتلال تاريخ 15 آذار موعدا نهائيا للانتقال إلى التصعيد الواسع اذا فشلت المساعي السياسية في التوصّل إلى اتفاق على ترتيبات حدودية جديدة.
بناء على كل هذه المؤشرات، هل اقتربت قيادة الكيان حقاً من تنفيذ هجوم كبير على لبنان و»حزب الله» ام انّ التهديدات المتكررة ستظل في إطار «القنابل الصوتية» التي لا تُحدث سوى الضجيج فقط؟
بات البعض في الداخل اللبناني يميل، اكثر من قبل، الى التعاطي بجدية أكبر مع فرضية التدحرج نحو المواجهة الشاملة، استنادا الى الاعتبارات الآتية:
– التأييد الواسع في صفوف المجتمع الاسرائيلي لخيار الحرب، كما أظهَرت استطلاعات الرأي.
– حاجة بنيامين نتنياهو الى إطالة عمره السياسي عبر «تنويع الحروب».
– اشتداد عبء المستوطنين النازحين من الشمال وتفاقم ضغوطهم على الحكومة بالترافق مع تعثّر المساعي الدبلوماسية لإعادتهم.
– قناعة تل ابيب بأنّ الفرصة سانحة حالياً لتطويق ما تعتبر انه الخطر الأكبر عليها والمُتمثّل في إيران، عبر محاولة ضرب حليفيها الاستراتيجيين اللذين يحيطان بالكيان، حركة حماس و»حزب الله». وهذا ما عكسه موقف وزير الطاقة الاسرائيلي ايلي كوهين الذي دعا الجميع الى أن يفهموا أنّ الحرب ليست ضد «حزب الله»، بل ضد إيران».
– إفتراض نتنياهو انّ بإمكانه الاستفادة من لحظة الخلاف الراهن مع الرئيس الأميركي جو بايدن وان يحوّل الحرب الواسعة ضد لبنان امرا واقعا عليه، خلافاً لخياره بضرورة تفادي التوسعة.
أمّا المقتنعون بأن تل أبيب لن تتجرّأ على خوض مغامرة عسكرية ضد لبنان والحزب، فما زالوا عند رأيهم على الرغم من التصعيد الاسرائيلي المتزايد سواء في العمليات العسكرية او في نبرة التصريحات.
وتعتبر مصادر احد أطراف محور المقاومة انه اذا توقفت الحرب الآن في غزة فإنّ جيش الاحتلال يحتاج إلى بضعة أشهر لإعادة تأهيل قواه وتجميعها، بعد الاستنزاف الذي تعرّض له في القطاع. وبالتالي، فهو غير قادر حالياً على تَحمّل أعباء حرب جديدة في الشمال، ولو بَدا متحمّساً لخوضها، خصوصاً انه يعلم أنّ مواجهة «حزب الله» هي صعبة ومكلفة حتى لو كان متفرغاً بالكامل لها فكيف اذا كانت مُترافقة مع معركة غزة وما تركته من آثار سلبية على مجمل الكيان، لا سيما بالنسبة إلى الناحيتين العسكرية والاقتصادية؟
وتلفت تلك المصادر الى انّ الكيان بحاجة أيضا الى ذخيرة اميركية من أجل تأمين المخزون الناري الضروري للحرب المفترضة، في حين انّ الولايات المتحدة لا تريد توسيع دائرة النزاع العسكري، والهَمّ الوحيد لرئيسها حالياً هو ضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسية والتخفيف من الضرر الذي تُلحقه سياسات نتنياهو به في هذه المرحلة بعدما تفاقم خلافهما.
وتشير المصادر الى انّ نتنياهو يُعوّل على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الاميركية ويأمل في هزيمة جو بايدن، الذي فتح أبواب واشنطن أمام منافسِ رئيس حكومة الكيان ومرشح واشنطن لخلافته بني غانتس. وبالتالي، فإنّ المعادلة التي تحكم علاقة بايدن – نتنياهو في هذه الفترة هي: مَن يُسقِط الآخر أولاً؟ من دون أن يعني ذلك أنّ هناك أي تبدل في الموقف الأميركي الاستراتيجي الداعم لـ»إسرائيل» بمعزلٍ عمّن يحكمها.
تقديرات مصادر في «محور المقاومة»: لهذه الأسباب التدحرج يبقى مُستبعداً.
عماد مرمل – الجمهورية