كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
الأكيد، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الأشطر في حمْلِ مُستطلعي رأيه، من القوى اللبنانية وغير اللبنانية، إزاء المبادرات الرئاسية، إلى البحر وردّهم عطاشاً. وهذا ما فعله ويفعله، مع من يلتقيهم من مسؤولين فرنسيين، قطريين، وحتى سفراء الخماسية، ونواب الاعتدال الوطني»، الذين خرجوا من لقائهم الأول معه بانطباع ايجابي جعلهم يصدّقون أنّ الرئيس صار على مقربة أمتار منهم، ليتفاجأوا بعد أيام قليلة، بانطباع آخر، معاكس كلياً، أيقظهم من أحلامهم، أو بالأحرى من أوهامهم التي كادت تُقنع اللبنانيين أنّ الرئاسة ستولد على يدّ النائب وليد البعريني!
فعلياً، هي أشبه بالرمال المتحركة القادرة على إغراق كل من يقربها أو يدوسها، خصوصاً اذا كان معتقداً أنّ الفصل بين ملف غزة، واستطراداً الجنوب، وبين الملف الرئاسي، هو ممكن أو حاصل. نظرياً، الفصل واقع، حتى أنّ «حزب الله» يسعى إلى الإثبات بالوجه الشرعي والسياسي أنّه غير متمسك بحبل السرة الرابط بين الخطّ الأزرق وقصر بعبدا، وهذا ما سعى إلى فعله مع الرئيس السابق ميشال عون. لكن الواقعية تقود إلى عكس ذلك، بدليل الآتي:
– لا مؤشر جدياً حتى الآن على رغبة جدية لدى الإدارة الأميركية بإنجاز هذا الملف، أقله هكذا يرى الثنائي الشيعي. حتى أنّ أولويات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، المكلّف بإدارة الملف اللبناني برمّته، كما جرى إبلاغ بعض المراجع الرسمية، لا تتجاوز وقف إطلاق النار في الجنوب لإعادة المستوطنين إلى منازلهم في شمال إسرائيل. وما خلا الوضع في الجنوب، لم يبد هوكشتاين أي اهتمام بالملف اللبناني الداخلي. وهو ما يراه الثنائي الشيعي تأجيلاً للملف الرئاسي من جانب الأميركيين كون اهتمامهم ينصبّ على الوضع في غزة والحدود الجنوبية للبنان، ما يعني أنّ الفصل لتمرير الرئاسة من خرم الأحداث، هو وهمي.
– لا تزال مواقف القوى اللبنانية منذ ما قبل أحداث غزة، على حالها: رغم كلّ محاولات الإغراء التي توضع أمام الثنائي الشيعي، فهو ليس بوارد التنازل عن ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية. فيما القوى المسيحية لم تتراجع عن رفضها لهذا الترشيح. وكلّ من جهته يراهن على الأحداث لكي تأتي لمصلحته وتدفع الآخرين للتقدم خطوة للأمام ناحيته. وعليه، فإنّ العمل على تحييد الرئاسة عن الجنوب، فيه مبالغة في التقديرات، من الصعب تجاوزها.
بناء عليه، يمكن القول إنّ الحراك التفاوضي الحاصل، لا سيما من جهة الخماسية المدفوعة بحماسة قطرية، هو أشبه باللعب في الوقت الضائع، حيث يتقاذف المسؤولون اللبنانيون طابات «البلياردو» بغية حرف النظر عن الجهة المعطّلة، وليس تسجيل هدف… لأنّ تحقيق الخرق دونه الكثير من الصعوبات، أبرزها:
– «حزب الله» ليس في وارد الطلب من فرنجية الانسحاب، وهو الذي سحب ملعقة الرئاسة من فمه في العام 2015 حين قرر سعد الحريري ووليد جنبلاط ومعهما نبيه بري، السير بترشيحه. كما أنّ رئيس «المرده» مقتنع أنّه حين ستضع حرب غزة أوزارها ليكون البحث جدياً في مقومات «اليوم التالي»، ستكون الرئاسة على ضفّة «حزب الله» وليس العكس. ولهذا هو متمسّك بترشيحه مهما وضعت على طاولته من أثمان ومغريات. لا بل هناك أكثر من جهة، غربية وعربية، فاتحت الثنائي بجناحيْه، بطرح المرشح الثالث، وفي كلّ مرة كان يُحال فيه الأمر لفرنجية، من باب دفع هذه الجهات لإقناع الأخير اذا أمكن، وفي كل مرة كان الردّ حاسماً من جانب القطب الزغرتاوي: في جيبي 51 صوتاً، لا يمثلون فقط نواباً وإنما جهات ثابتة، والمقصود طبعاً «حزب الله»، ولا إمكانية للإنسحاب.
– أي انتقال من جانب «حزب الله» من مربع فرنجية إلى مربع المرشح الثالث هو بمثابة خسارة يرفض أن يتكبّدها في هذا التوقيت الدقيق والمتسارع في أحداثه ونتائجه، ولهذا الخيار محسوم بالنسبة لـ»الحزب»: لا مرشح إلّا فرنجية.
– رغم كل الكلام المعسول الذي يطلقه بري أمام السائلين عن رأيه من ترشيحات الفئة الثالثة، والذي يثير أحياناً القلق في أذهان فرنجية، ما دفعه منذ فترة إلى مراجعة رئيس المجلس بشأن احتمال أن يهندس ترتيباً رئاسياً من تحت الطاولة يطيح ترشيحه… فإنّ الثنائي يجزم: بري لن يتراجع عن دعم رئيس «المرده»، إلّا بتنسيق ثلاثيّ يضمه و»الحزب» وفرنجية. وهذا الأمر ليس مطروحاً في الوقت الحالي. حتى أنّ عارفي بري يؤكدون أنّ سياسة الأبواب المفتوحة التي يعتمدها لا تعني أبداً استعداده لعقد أي تسوية تُعرض عليه. ثمة اتفاق وحيد قد ينسجه بري مع جهة خارجية، هي واشنطن وحدها. وطبعاً بالتنسيق مع «الحزب». والأرجح أنّ بري هو الذي سيطبخ الرئاسة عاجلاً أم آجلاً. ولكن حتى الآن لا تتعدى الحركة الحاصلة، واقع أنّها فقاعات صابون سرعان ما تتبخّر.
هكذا، يمكن الاستخلاص أنّ الرئاسة لا تزال في عنق الزجاجة، ولا بحث جدياً في متاهتها إلّا بعد انتهاء الحرب في غزة وربطاً في الجنوب اللبناني، مهما أبدى بري مرونة وليونة، ومهما قال لموفديه «لا مانع في هذا الاسم، ولا فيتو على ذلك». ولهذا لا تزال العلاقة بين باسيل و«الحزب» مقطوعة لأن إعادة احيائها ستقود إلى مناقشة المرشح الثالث… أما توقيت الخروج من النفق، فلا يزال ورقة مستورة طالما أنّ صوت المعارك هو الأعلى. وعليه، لا تعويل استنثائي على حراك «الخماسية» وجولتها المنتظرة.