يشير محللون عسكريون الى ان مَن قامت اسرائيل باغتيالهم من قياديي حزب الله او بعضا منهم، لم يكن بحوزتهم هواتف، ما يعني ان هناك ادوات اسرائيلية على الارض الى جانب اجهزة تعقب متطورة.
من ناحية أخرى، و في آخر زياراته للبنان حمل الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين اقتراحاً لعودة الوضع في جنوب لبنان إلى ما كان عليه قبل عملية طوفان الأقصى. واستغلّ ارتفاع فرص التوصّل إلى هدنة في حرب إسرائيل على غزّة. وسعى إلى الفصل بين جبهتَي غزّة والجنوب. كانت الأجواء في حينه تشير إلى أنّ المفاوضات ستنتهي إلى هدنة قريبة. وعلى هذا الأساس تعامل الموفد الأميركي. وحين توافرت لديه معلومات عن تعثّر المفاوضات غادر بلا تحديد موعد لعودة قريبة.
فماذا لو لم تنجح الهدنة في غزّة؟ ما هو مصير لبنان؟
إذا تأخّرت الهدنة الموعودة في حرب إسرائيل على غزّة. أو رفضها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كي لا يضع نهاية لحياته السياسية. فما هو مصير جنوب لبنان والحرب الدائرة هناك؟
الفرضية قائمة. ذلك أنّ المفاوضات بين حماس وإسرائيل لم تشهد خطوات متقدّمة بعد. التفاؤل الذي خيّم قبل أيّام تلاشى بعدما رفض نتنياهو شروط حماس بالانسحاب من غزة وإطلاق الأسرى الفلسطينيين. وعادت المفاوضات إلى نقطة الصفر.
تصرّ حماس على شروطها. يتّفق جناحاها في الداخل والخارج على أنّ التنازل غير ممكن. خصوصاً في ضوء الخسائر الفادحة التي وقعت على الفلسطينيين من دمار وإبادة شعب. والآتي لن يكون أصعب من الذي مضى.
أخيراً طمأنت “حماس الداخل” مسؤوليها الموجودين في قطر إلى أنّ وضعهم الميداني العسكري جيّد. بما يحتّم التفاوض من موقع القوّة، وإلّا فاستمرار الحرب أجدى.
ماذا عن لبنان؟
حاولت فرنسا من خلال ورقتها فصل جبهة جنوب لبنان عن غزّة، والبحث في تطبيق القرار 1701. لكنّ لبنان ربط تنفيذ بنودها بوقف الاعتداءات الإسرائيلية كمنطلق للحديث في أيّ حلّ.
أمّا اللجنة الخماسية “الرئاسية” فباتت تدور حول نفسها في كلّ مرّة تسعى إلى حوار لفتح أبواب المجلس وانتخاب رئيس للجمهورية متى أعلنت الهدنة.
تختلف ظروف حرب غزة عن الوضع في لبنان. تقول تقديرات المفاوضين إنّ غزة بنسبة 90 في المئة “باتت على الأرض”. أي التدمير شبه كامل.
أمّا في الجنوب فقد رسمت إسرائيل خطوط تماسّ مع حدودها الشمالية، بحكم الميدان. فتعمّدت تدمير القرى الأمامية في جنوب لبنان، وتهجير أهلها. وقوّات الرضوان نفسها تراجعت عن تلك البقعة الجغرافيّة.
فكيف ردّت إسرائيل؟
وسّعت أهدافها. صار لبنان كلّه في مرمى نيرانها. لكأنّ نتنياهو تعمّد تحويل المواجهة مع الحزب إلى حرب استنزاف طويلة غايتها تحقيق أكبر قدر من الأهداف العسكرية ضدّ الحزب. فماذا لو لم يتمّ الاتفاق على هدنة سُمّيت باسم رمضان ومرّ أسبوعه الأوّل من دونها؟
سؤال مقلق بتبعاته على مستوى الناس والاستحقاقات.
في إطلالته الأخيرة قال الأمين العامّ للحزب إنّ جبهة جنوب لبنان جزء لا يتجزّأ من معركة غزة. وجدّد الالتزام بإسناد المقاومة في غزة. واعتبر أنّ النصر يحتاج إلى مزيد من الصبر والتحمّل. لكأنّه يقول إنّ الحرب لا تزال طويلة بدليل دعوته إلى “مزيد من الصبر والتحمّل”. متحدّثاً بعدها مباشرة عن “مؤشّرات التعب التي بدأت تظهر جليّاً في كيان الاحتلال”.
كان الأمين العامّ واضحاً في معادلته. أسدل الستار بجملته تلك على كلّ الجهود الدولية المبذولة لفصل الجبهات واستغلال الهدنة للتوصّل إلى حلّ لجبهة لبنان. تلك الهدنة التي بدت من خلال ما قاله بعيدة.
من وجهة الحزب فإنّ كلام السيّد لا يحتاج إلى تفسير: “جنوب لبنان هو جبهة إسناد. وستكمل مسارها ميدانياً في رمضان وبعده. وستبقى ظروفها مرتبطة بتطوّر الظروف الميدانية”.
وهو حتى اليوم يدير الحرب “من دون الذهاب نحو التصعيد الكبير”.
استبعاد توسيع الحرب
واضح أنّ إسرائيل تستكمل ضرب أهداف عسكرية أو مراكز عسكرية للحزب في جنوب لبنان والبقاع. وتتقصّد إعلان أنّها أصابت هدفاً عسكرياً، وأنّها لا تستهدف المدنيين. بالمقابل يدرس الحزب ضرباته على الشمال الإسرائيلي. يدرك أنّ ثمناً باهظاً يتكبّده من رصيد قادته وعناصره في حرب كانت أسهل عليه لو خاضها بالمباشر. يتحسّس مأساة أهالي القرى والبلدات الحدودية ومنسوب النزوح الآخذ في التزايد. لكنّه يعتبر أنّ “وضع إسرائيل الصعب سيدفعها حتماً للقبول بالهدنة. وتوسيع الحرب في الشمال لا يزال مستبعداً”.
تقول مصادره المطّلعة على سير المفاوضات من جهة حماس: “كنّا اقتربنا من الهدنة في غزّة. لكنّ نتنياهو تنصّل من الاتفاق ومورست ضغوط على حماس للتنازل”. بدليل أنّ “هوكستين تصرّف في زيارته الأخيرة على أساس أنّ الهدنة واقعة. ولمّا فشلت المساعي انسحب بمبادرته لعلمه أن لا شيء سيتغيّر ما لم تتوقّف الحرب”.
فرنسا أيضاً تتمهّل
قام الزائر الفرنسي، رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية نيكولا ليرنر، بزيارته الأولى لبيروت بعد تعيينه قبل نحو أشهر. والتقى مسؤولين كباراً في الحزب. فلمس منهم صعوبة الحلّ في جنوب لبنان قبل الهدنة ووقف حرب غزة.
تقول المصادر عينها إنّ المسؤول الفرنسي تصرّف بطريقة مشابهة للطريقة التي سبق أن تصرّف بها المسؤول الألماني في زيارته الأخيرة للبنان. فكرّر عبارات التهديد والتهويل من الحرب الواسعة ووجّه رسائل قاسية للحزب في حال لم يوقف ضرباته.
لكنّه أيضاً “سمع ما سمعه غيره من أن لا هدنة في جنوب لبنان ما دامت غزة تحت النار”. وتابعت قائلةً لـ”أساس”: “يطلب الإسرائيلي الكثير. يرفض الانسحاب وتحرير كامل الأسرى. الفكرة التي تقولها حماس هي أنّه بعد الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها لم يعد مجدياً تقديم تنازلات”. ولهذه الأسباب فإنّ “الهدنة مستبعدة حالياً. لكن ما دام هناك وسطاء فهذا يعني أنّ المجال لا يزال متاحاً ومفتوحاً لتحقيقها”.
هذا قد يحصل بين ليلة وضحاها. وقد يستغرق أشهراً إضافية. وفاتورته ستكون أقسى وأكبر… بالتأكيد.
منى الحسن- أساس ميديا