“النهار”- سلوى بعلبكي
خلال فترة جائحة كورونا، انتشرت في مختلف دول العالم الوظائف العابرة للمكاتب أو ما يعرف بالعمل من المنزل “أونلاين”. وما كان شائعاً في دول العالم بحكم الضرورة الوبائية، أصبح في لبنان شائعاً بحكم الواقع الذي فرضته الظروف الاقتصادية والمالية التي يعيشها اللبنانيون. ففي لبنان بدأ انتشار ظاهرة العمل من المنزل مع “كورونا” لكنه تطوّر بشكل لافت بعد الانهيار الاقتصادي والنقدي وتدنّي قيمة الرواتب والأجور، ما حدا بالشباب اللبناني للعمل مع شركات ومؤسسات في الخارج حيث الدفع بالعملة الصعبة.
“العمل أونلاين” أو الوظائف العابرة للقارات عبر الانترنت يشكل اليوم رافداً أساسياً بالعملة الصعبة لميزان المدفوعات، ويعزز قدرة الكثير من الشباب اللبناني مادياً ويمنحهم فرصة البقاء ضمن عائلاتهم مع مدخول مرتفع نسبياً مقارنة مع المداخيل المحلية.
“رب ضارة نافعة”، إذ خدمت أحكام الضرورة من تسنّى له توقيع عقد عمل للعمل “أونلاين” مع شركات دولية أن يبقى في لبنان ليتفادى الغربة الموحشة وخسارة البلاد له. لكن حساب العامل “أونلاين” لا يلتقي مع بيدر “المحاسبة” الضريبية للدولة، فباستثناء استجلاب دولارات الى السوق المحلية لا تستفيد دوائر التحصيل الضريبية من هؤلاء دولاراً واحداً لأسباب عدة، أهمها انكفاؤهم جميعاً عن تقديم تصريح بمداخيلهم على اعتبار أن لا دليل مستندياً يثبت أنهم يتقاضون أجراً.
تشمل ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، الرواتب والأجور والتعويضات والمخصّصات ومعاشات التقاعد العامة والخاصة، والمخصّصات لمدى الحياة التي يتقاضاها المستخدمون والأجراء العاملون لدى أشخاص يمارسون الأنشطة البترولية أو لدى موردي الخدمات والمواد لهؤلاء الأشخاص، والتي تترتب في الأراضي اللبنانية والمياه البحرية اللبنانية وفقاً للتعريف المحدد لهذه المياه في القانون رقم 132 تاريخ 24/8/2010 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية).
وتطال ضريبة الدخل على الرواتب والأجور معظم اللبنانيين من موظفين ومستخدمين وأجراء لدى أشخاص أو شركات أو مؤسسات خاصة أو عامة، لبنانية كانت أو أجنبية. صاحب العمل هو المسؤول عن التصريح عن هذه الضريبة ودفعها ومسك السجلات القانونية، كما أن المستخدم لدى صاحب عمل غير مقيم أو لدى سفارة أجنبية مسؤول عن التصريح بنفسه عن الضريبة ودفعها، كما أن المُستخدمين لدى أكثر من مؤسسة، أو أصحاب المهن والمؤسسات الفردية أو شركاء في شركات الأشخاص ويتقاضون في الوقت نفسه رواتب وأجوراً، عليهم واجب التصريح عن فرق الضريبة ودفعها.
وفق مصدر قانوني فإن مبدأ الضريبة عادة ما يكون مقروناً بوجود نشاط اقتصادي أي دخل، يصرح عنه صاحبه لدى الإدارة الضريبية. وهذا النشاط يجب أن يكون خاضعاً للتكليف في النصوص القانونية، علماً بأن المشرع اللبناني لم يلحظ الأعمال والأنشطة التي تتم عن بعد بيد أن قوانين الدخل اللبنانية لا تزال تقليدية الى حد ملحوظ. حتى إن تم تحديث قانون الدخل وبات يلحظ هذه الأعمال، فمن المفترض أن يحدد سقوف مبالغ معيّنة تخضع للضريبة، وينبغي أن تتزامن هذه التعديلات مع قرارات وتعاميم تصدر عن وزارة المال، بغية خلق إطار قانوني متكامل ينظم استيفاء الضريبة على الأعمال التي تتم عبر المراسلة أو عن بعد.
وترى المصادر أن “دور وزارة المال مهم جداً في تحديد معايير وأسس التكليف. أما في حال عدم وضع مثل هذا القانون، فيكون السؤال حول إمكان اعتماد “فترة قانونية” تسمح للوزارة بمباشرة تنظيمها ووضع التصاريح اللازمة استناداً الى مبدأ خضوع جميع الأنشطة الاقتصادية التي تجدي إيراداً للضريبة”.
أما في خصوص العقود المبرمة بين جهة أجنبية وعامل لبناني، فترى المصادر أنه “في هذه الحالة تكون الضريبة على قيمة العقد مرهونة بوجود بروتوكول أو اتفاق دولي، يتناسب مع قانون الدولتين، ويكون موقّعاً بين لبنان والدولة الأجنبية المسجلة فيها الشركة تفادياً لخطورة الازدواج الضريبي التي تؤذي المكلف. وتعود ضريبة الدخل في هذه الحالات للدولة التي يتم فيها النشاط، ففي حالة إتمام عقد بين لبناني يعمل من لبنان وأي شركة أجنبية لا مقر لها في لبنان، من المفيد أن تعود الضريبة للدولة اللبنانية، استناداً الى أنّ الضريبة تتناول وفقاً للقانون اللبناني المداخيل المترتبة في الأراضي اللبنانية الى شخص مقيم في لبنان لقاء خدمات أُدّيت في لبنان”.
وفي السياق، أكد المدير العام لوزارة المال جورج معراوي لـ”النهار” أن ثمة فارقاً بين الموظف في شركة أجنبية ويعمل عن بعد وبين من يعمل على “القطعة” أو من دون عقد، فالموظف وفق عقد مع شركة أجنبية تصرّح عنه شركته وتحسم له ضريبته. أما إن كان موظفاً ويعمل لفترات متقطعة فيُفترض أن يصرّح بنفسه عن دخله أو تقتطع مؤسسته ما نسبته 7.5٪ من قيمة أتعابه، وذلك وفقاً لقانون ضريبة الدخل، وإلا يعتبر متهرباً ضريبياً. وإن كانت الشركة التي يعمل لديها في دولة موقع معها لبنان اتفاقية الازدواج الضريبي فإن المكلف يدفع الضريبة في لبنان، أما في حال عدم وجود اتفاق ضريبي فإن المكلف أو الموظف يدفع ضريبة الدخل في لبنان، فيما الشركة تسدد الضريبة في الدول الموجودة فيها، أي إن الضريبة تُدفع مرّتين”.
وشدد معرواي على أن “كل عامل على الأراضي اللبنانية، لبنانياً كان أو أجنبياً إجازة إقامته تزيد عن 180 يوماً يُعدّ مقيماً ويجب عليه أن يصرّح عن دخله ويسدد ضريبته في لبنان”.
ولا يخفي المعراوي أن الكثير من الشركات والأشخاص يتهربون ضريبياً في لبنان.
مدير الواردات والـTVA في وزارة المال لؤي الحاج شحادة شرح لـ”النهار” أن كل من يحقق الدخل داخل الأراضي اللبنانية يخضع للضريبة. فإن كان الشخص داخل لبنان يعمل لمصلحة شركة في الخارج، ولأن دخله حققه انطلاقاً من الدولة اللبنانية، يجب على الشركة التي يعمل لديها أن تقتطع الضريبة ليسدد الموظف الضريبة المتوجبة عليه. فالشركة عادة، وخصوصاً تلك التي تلتزم القوانين تطلب من الشخص المعني أن يصرح عنها كربّ عمل غير مقيم، وتالياً تنتقل واجباتها الى الموظف الذي يعمل لديها، لكونه يؤدي لها خدمات من بلده.
ويلفت شحادة الى أن القانون اللبناني يفرق بين من يعمل للخارج بالمهن الحرة والموظف العادي، فالأول يخضع لضريبة الأرباح فيما الثاني يخضع لضريبة الرواتب والأجور. وفي الحالين، إن كان الشخص يعمل من دون عقد عمل فإنه يجب عليه التصريح عن دخله أو الربح الذي يحققه. ويؤكد أن الشركات والمؤسسات التي تحترم القوانين في لبنان أو الخارج، تطلب من الموظف الذي يتعاون معها على “القطعة” أن يبرز إيصالات تثبت تسديده للضريبة. وفي حال العكس، فإن الأمر يعود الى أخلاقيات الموظف إن كان ينوي التصريح عن دخله أو أجره أو لا”، على اعتبار أنه لا وجود لآليات محددة يمكن لمديرية الضرائب في الوزارة معرفة من يتهرب من التصريح عن أجره. ولكن ثمة شركات تشدد على من تتعامل معهم أن يصرحوا عن أجورهم حتى لا يطالها القانون اللبناني الذي يعتبرها تمارس العمل في لبنان من خلالهم.